عن المؤثر فتغيره لا بد وأن يكون بمؤثر وإلا كان منعدما بنفسه، وهو محال وإلا لما بقي، وإذا كان البقاء غير مفتقر إلى مؤثر، وتغيره مفتقر إلى المؤثر فعدم الباقي لا يكون إلا بمانع يمنع منه.
وأما المتجدد سواء كان عدما أو وجودا، فإنه قد ينتفي تارة لعدم مقتضيه، وتارة لمانعه، وما يكون عدمه بأمرين يكون أغلب مما عدمه بأمر واحد.
وعلى هذا فالأصل في جميع الأحكام الشرعية إنما هو العدم وبقاء ما كان على ما كان، إلا ما ورد الشارع. بمخالفته، فإنا نحكم به ونبقى فيما عداه عاملين بقضية النفي الأصلي، كوجوب صوم شوال، وصلاة سادسة ونحوه.
فإن قيل: لا نسلم أن كل ما تحقق وجوده في حالة من الأحوال، أو عدمه، فهو مظنون البقاء وما ذكرتموه من الوجه الأول، فالاعتراض عليه من وجوه.
الأول أنا نسلم انعقاد الاجماع على الفرق في الحكم فيما ذكرتموه من الصورتين، فإن مذهب مالك وجماعة من الفقهاء إنما هو التسوية بينهما في عدم الصحة، وإن سلمنا ذلك وسلمنا أنه لو لم يكن الأصل البقاء في كل متحقق، للزم رجحان الطهارة أو المساواة في الصورة الأولى، ورجحان الحدث أو المساواة في الصورة الثانية.
ولكن لا يلزم من رجحان الطهارة في الصورة الأولى جوز الصلاة، بدليل امتناع الصلاة بعد النوم والاغماء والمس، على الطهارة، وإن كان وجود الطهارة راجحا.
ولامتناع الصلاة مع ظن الحدث في الصورة الثانية، حيث قلتم بأن ظن الحدث لا يلحق بتيقن الحدث.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أن الأصل في الطهارة والحدث البقاء، ولكن لا نسلم أنه يلزم من ذلك الطهارة والحدث أن يكون الأصل في كل متحقق سواهما البقاء، لا بد لهذا من دليل.