وأما مراجعة النبي عليه السلام، التوراة فإنما كان لاظهار صدقه فيما كان قد أخبر به من أن الرجم مذكور في التوراة وإنكاره اليهود ذلك، لا لان يستفيد حكم الرجم منها، ولذلك فإنه لم يرجع إليها فيما سوى ذلك.
وما ذكروه في امتناع بحث الصحابة عن ذلك فغير صحيح، لان ما نقل من ذلك متواترا، إنما يعرفه من خالط النقلة له، وكان فاحصا عنه، ولم ينقل عن أحد من الصحابة شئ من ذلك، كيف وإنه قد كان يمكن معرفة ذلك ممن أسلم من أحبار اليهود، وهو ثقة مأمون، كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهما، ولم ينقل عن النبي عليه السلام، ولا عن أحد من الأمة السؤال لهم عن ذلك. وما ذكروه على الحجة الثالثة فترك للظاهر المشهور المتبادر إلى الفهم من غير دليل، فلا يسمع.
وما ذكروه على الحجة الرابعة فمندفع، وذلك لان إطلاق الأمة أن شرع النبي عليه السلام، ناسخ للشرائع السالفة بينهم، يفهم منه أمران: أحدهما رفع أحكامها، والثاني أنه غير متعبد بها. فما لم يثبت رفعه من تلك الأحكام بشرعه ضرورة استمراره، فلا يكون ناسخا له، فيبقى المفهوم الآخر، وهو عدم تعبده به. ولا يلزم من مخالفة دلالة الدليل على أحد مدلوليه مخالفته بالنظر إلى المدلول الآخر.
والجواب عن المعارضة بالآية الأولى أنه إنما أمره باتباع هدى مضاف إلى جميعهم، مشترك بينهم، دون ما وقع به الخلاف فيما بينهم، والناسخ والمنسوخ منه، لاستحالة اتباعه وامتثاله، والهدى المشترك فيما بينهم، إنما هو التوحيد، والأدلة