كان ضمير مخاطب، أو بالحكاية عن النفس كان ضمير متكلم، أو بالإشارة إليه كان اسم إشارة، أو بالصلة كان اسم موصول، ولأجل ذلك تكون كالعلم من قبيل الأسماء لاستقلال معانيها، فالضمائر وأخواتها تشارك الأعلام في كون معاني الجميع ذوات متعينة وجزئيات حقيقية معينة، وتفارقها في إطلاق الذات المأخوذة في الوضع وتقييدها بإحدى الحيثيات المذكورة.
ومما قررناه يظهر بالتأمل أن الجهات المذكورة كالجهات الملحوظة في وضع الحروف، كلها من قبيل الحيثيات الملحوظة في الوضع مع الموضوع له، لا من الأمور المأخوذة معه شطرا أو شرطا، مع احتمال كونها في غير الحروف من قبيل القيود الخارجة عن الموضوع له وإن دخل التقيد بها، فالموضوع له فيها ليس هو المجموع من الذات والوصف، كما يوهمه ظاهر أكثر عباراتهم.
ويظهر بالتأمل أيضا ضعف ما قرره بعض الفضلاء في هذا المقام بكلا احتماليه، حيث قال - بعد ذكر الحروف وأسماء الإشارة والضمائر والموصولات وغيرها مما يتضمن معاني الحروف -: إن التحقيق أن الواضع لاحظ في وضعها معانيها الكلية ووضعها بإزائها، باعتبار كونها آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة، فلاحظ في وضع " من " مثلا مفهوم الابتداء المطلق ووضعها بإزائه، باعتبار كونه آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة من السير والبصرة مثلا، فتكون مداليلها خاصة لا محالة، لوضوح أن الماهية إذا أخذت مع تشخص لاحق لها كانت جزئية، مع احتمال أن يكون قد لاحظ في وضع الحروف معانيها الكلية ووضعها بإزاء كل جزئي جزئي من جزئياتها المأخوذة، آلة ومرآة لتعرف حال تلك الذوات وعلى هذا القياس.
والفرق بين الاعتبارين أن الخصوصية مأخوذة في أحدهما باعتبارين، وفي الآخر باعتبار واحد، وهو الأقرب لسلامته عن الاعتبار الزائد. انتهى (1).
وأنت خبير بما في كلا الاعتبارين من الوهن المخرج للمطلب من السداد.