موضوعا بوضع عام لمعنى خاص، إلا أنها تغائرها في أصل المعاني وحقائقها ليحصل الفرق بينهما بالاسمية والحرفية، فإن الحروف موضوعة لنسب مخصوصة تضاف إليها وجوه واعتبارات كثيرة، وجهات وحيثيات شتى يعبر عنها " بالابتداء " و " الانتهاء " و " الاستعلاء " و " الظرفية " و " الغرض " و " التعليل " و " الإخراج " و " النداء " وغيرها، فالواضع في وضع " من " و " إلى " و " على " و " في " و " كي " و " اللام " و " إلا " و " يا " وغيرها من الحروف تصور النسبة بين شيئين على الوجه الكلي، من حيث كون أحدهما مبتدأ للآخر أو منتهى إليه بالقياس إلى الآخر، أو مستعليا عليه، أو ظرفا له، أو غرضا منه، أو علة له، أو مخرجا منه، أو منادى له، فوضع الحروف المذكورة للنسب الملحوظة بالحيثيات المذكورة على الوجه الكلي عند القدماء، أو لجزئياتها المندرجة تحتها على رأي المتأخرين، فتفسير الحروف المذكورة في كلام أهل العربية وأئمة اللغة بالابتداء والانتهاء وغيرهما من المفاهيم المذكورة، من باب تعريف اللفظ بوجه من وجوه معناه، لا من باب تعريفه بنفس المعنى وحقيقته.
وبالجملة: فالمعنى الحرفي هو النسبة الملحوظة بين شيئين بإحدى الوجوه المذكورة، المأخوذة في الوضع على الوجه الكلي أو الجزئي على الخلاف المتقدم، لا نفس الابتداء والانتهاء وغيرهما كليا ولا جزئيا.
وعليه ينبغي أن ينزل كلام من يوهم عبارته عند بيان معاني الحروف خلاف ذلك، وما لم يقبل هذا الحمل والتنزيل فمبناه على الغفلة وقصور النظر، فلا ينبغي الالتفات إليه، بخلاف الضمائر وأسماء الإشارة وغيرها، فإنها موضوعة للذوات المتعينة بالتعينات الخارجية الملحوظة مقيدة بإحدى وجوهها وحيثياتها، فإن الذوات المتعينة الخارجية أيضا تلحقها وجوه وحيثيات شتى، كالغيبة والخطاب والحكاية عن النفس والإشارة، وما ينساق من الصلة من فاعلية أو مفعولية فإن أخذت في الوضع مطلقة غير مقيدة بإحدى تلك الحيثيات كان اللفظ الموضوع علما، وإن أخذت مقيدة بالغيبة كان اللفظ الموضوع ضمير غائب، أو بالخطاب