نعم هاهنا إشكال آخر يصعب دفعه، ولم نقف على من تفطن به وتفصى عنه، وهو أن قضية إطلاقهم بل صريح الأمثلة المتقدمة عدم الفرق في الألفاظ بين الجوامد والمشتقات، كما أن ظاهر مطاوي كلماتهم عنوانا ودليلا وثمرة، كون العلم المتنازع في دخوله في مداليل الألفاظ هو العلم التصديقي، المعبر عنه بالاعتقاد لا العلم التصوري ولا مطلق الإدراك، فيشكل تصوير دخوله في مداليل الألفاظ بأسرها حتى الجوامد، كالخمر والميتة والكلب والخنزير ونحو ذلك، فإن العلم بالمعنى المذكور من عوارض النسبة اللازمة لتحقق طرفيها المنسوب والمنسوب إليه، فلا يمكن أخذه في مداليل الجوامد، لعدم تركب فيها بحيث يتضمن نسبة يتعلق بها العلم والإذعان.
نعم ربما أمكن تصويره في مداليل المشتقات باعتبار اشتمالها على نسبة ملحوظة بين الذات والمبدأ، فيصح في مثل " فاسق " أن يقال: إنه موضوع لذات علم بثبوت الفسق لها، وأما نحو الميتة والخمر وغيرهما فلم يشتمل مدلول شئ منها على نسبته، لكونه أمرا بسيطا لم يتركب من شيئين ذات ووصف يتحقق بينهما هذه النسبة، فلا يجري فيها نحو البيان المتقدم.
وبالجملة دخول العلم التصديقي في مدلول اللفظ باعتبار الوضع، إنما يصح فرضه في كل لفظ انحل مدلوله بحسب الوضع إلى قضية حملية، مشتملة على ذات ووصف ونسبة بينهما، وهذا في الجوامد غير معقول.
وتوهم انحلال مداليلها أيضا إلى نحو هذه القضية، فإن " الرجل " و " الأسد " و " زيد " و " عمرو " مثلا ينحل مداليلها إلى ذات ثبت لها الرجولية، وذات ثبت لها الأسدية، وذات ثبت لها الزيدية، وذات ثبت له العمرية.
يدفعه: أنه إنما يصح لو كان كل من الذات والوصف المذكورين مأخوذا مع الموضوع له باعتبار الوضع، وهذا في الوصف غير صحيح، لأن الرجولية وصف منتزع ينتزعه العقل عن الذات وهو الأمر الواقعي، باعتبار أنه يقع عليه اسم الرجل، فيكون مع عدم كونه وصفا حقيقيا ثابتا في الذات في نفسه متأخرا عن الوضع، ودخوله مع الذات في الوضع يقتضي تقدمه على الوضع وهو محال،