وفيه: أنه على خلاف مطلوب المستدل أدل، بل لا يدل إلا على خلاف مطلوبه كما يظهر بالتأمل في تقريره، فإن الذي سماه الظان تارة باسم الحجر وأخرى باسم الإنسان هو الشبح لا الصورة الذهنية، لأنه الذي ظنه حجرا تارة وأخرى إنسانا وهو أمر خارجي، فهو المسمى لا غير.
غاية الأمر كون الاختلاف في التسمية ناشئا عن اختلاف الصورة الذهنية، وهو لا يقضي بكون المسمى هو الصورة كما لا يستلزم تغير ما في الخارج المحكوم عليه بالامتناع، لأن الممتنع تغير ما في الخارج في الواقع، وأما تغيره في اعتقاد المعتقد فلا استحالة فيه، إذ الاعتقاد بشئ لا يستلزم كون المعتقد هو ذلك الشئ في الواقع، غاية ما يلزم كون أحد الاعتقادين خطأ، ولذا ترى أن المعتقد بعد تغير اعتقاده الأول يخطأ نفسه في اعتقاده الأول، وبذلك يظهر الجواب عن الدليل المذكور لو قرر بأنه: لولا الألفاظ بإزاء المعاني الذهنية لما تغيرت التسمية، والتالي باطل لضرورة تغيرها في مثال الشبح، وبيان الشرطية: أنها لولا بإزاء المعاني الذهنية لكانت بإزاء الأمور الخارجية، واللازم باطل، لأن ما في الخارج لا يتغير ولا يتبدل، وقد أثبتنا تغير التسمية، ولا يكون إلا لأجل تغير الصورة الذهنية.
وقد يقرر الجواب بطريق القلب، بأنه لولا الألفاظ بإزاء الأمور الخارجية لما تغيرت التسمية بتغير الشبح الخارجي في الاعتقاد، والتالي باطل لدوران اللفظين في التسمية مع الشبح الخارجي، وبيان الشرطية: أنه لو كانت الألفاظ بإزاء المعاني الذهنية لكان مسمى اللفظين في المثال المذكور هو الصورة، وقد ظهر بطلانه.
وثانيها: أن الألفاظ لو كانت موضوعة للأمور الخارجية لزم امتناع الكذب في الأخبار، إذ المفروض أن كلا من زيد وقائم في قولنا: " زيد قائم " موضوع لما هو موجود في الخارج من مدلوليهما والمجموع المركب للنسبة الخارجية، فيدل المجموع على قيام زيد الموجود في الخارج، لاستحالة تخلف المدلول عن الدال، وهذا خلاف ما اتفقوا عليه من انقسام الكلام إلى الخبر والإنشاء، وأن الفرق بينهما كون الأول محتملا للصدق والكذب معا دون الثاني.