بل هي في ضمن سائر الهيئات أيضا مستعملة بالبديهة، وليس هذا إلا استعمالا لها في مقتضى وضعها الأصلي، وهذا كاف في كونها في ضمن هذه الهيئة مجازا مع الحقيقة، لأن الحقيقة والمجاز إنما يلاحظان في اللفظ باعتبار ما ثبت فيه من الوضع، وهو هنا نوعي، فالاستعمال في ضمن هذه الهيئة عدول عن مقتضى هذا الوضع، وفي ضمن غيرها أخذ بمقتضاه، فيصدق على المادة أنها مستعملة في كل من معناها الموضوع له وخلافه.
وبهذا الطريق يمكن الجواب عن الاحتجاج الثاني بالنسبة إلى بعض الأفعال المتقدمة " كعسى " فإن وضعه على فرض كونه فعلا نوعي باعتبار الهيئة.
ولا ريب في كون هذه الهيئة في ضمن غير هذه المادة مستعملة في مقتضى وضعها الأصلي النوعي، وهذا كاف في كونها في ضمن هذه المادة مجازا مع الحقيقة.
وقد يجاب عن الاحتجاج بالجميع: بأنه لا نسلم أن هذه الألفاظ مجازات، بل لم توضع إلا لمعانيها التي أستعملت فيها، ومحصله: منع كونها أفعالا، فلم لا يجوز كونها موضوعة لمعانيها المستعمل فيها ابتداء كسائر كلمات الإنشاء وأدوات النفي، والنزاع في فعلية ليس معروف كما لا يخفى على من تتبع كتب الصرف.
ولو سلم، فلا نسلم عدم الاستعمال، غاية الأمر عدم الوجدان وهو لا يدل على عدم الوجود.
ودفعه التفتازاني بقوله: الكلام مع من اعترف بكونها أفعالا، مع الإطباق على أن كل فعل موضوع لحدث وزمان معين من الأزمنة الثلاثة، ولا نعني بعدم الاستعمال إلا عدم الوجدان بعد الاستقراء، على أن عدم جواز استعمال هذه الأفعال في المعاني الزمانية معلوم من اللغة. انتهى.
وأجيب عن الثالث بوجوه:
منها: النقض بأنه مشترك الورود، فإن المجاز يستلزم الوضع لمعنى بالضرورة، فإذا لم يكن هناك معنى ليستعمل فيه لم يكن معنى ليوضع له، إذ الوضع