وأجيب عنه: بأن الواجب في فعل الحكيم قصد الفائدة لا ترتبها في الخارج، فعدم ترتبها لدواع خارجية لا يخل بالحكمة.
ونوقش بأن قصد ما لا يترتب على الشئ راجع إلى الجهل بحاله، فما ذكر إنما يتم إذا ثبت أن الواضع ليس هو الله وأن الوضع ليس بإلهامه، وإلا فالقصد المذكور غير ممكن، وعلى تقدير إمكانه فهو مخل بالحكمة.
وأجيب أيضا: بمنع الملازمة، فإن صحة التجوز الذي هو تابع للوضع، فائدة تترتب عليه.
ونوقش بأن فائدة الوضع للمعنى المجازي أكثر، لاستغنائه عن مؤنة القرينة والخروج عن ظاهر الاستعمال، فالعدول عنه إخلال بالحكمة.
ويمكن دفعها: بأن المعاني المجازية قد تتعدد، ومع الاتحاد فالحكيم العالم بالحال قد يعلم بأن الوضع في لفظ خاص لا يستتبع الاستعمال فيما وضع له، سواء فرض ذلك الوضع في المعنى المجازي، أو فيما فرضه المجيب موضوعا له لفائدة التجوز في غيره، على معنى علمه بأن المتحاورين بذلك اللفظ إنما يتعلق غرضهم فيه بالاستعمال المجازي لحكمة دعتهم إليه، بحيث لولاه لم يستعملوه أبدا، فيجب في الحكمة أن يضعه لأحد المعنيين أو المعاني، لفائدة التجوز الذي به يتعلق غرض المتحاورين تسهيلا للأمر عليهم، مع أن مراعاة ما في التجوز من المزايا المعنوية والجهات المحسنة الراجعة إلى مقام البلاغة وحسن التأدية التي لا يستتبعها الاستعمال الحقيقي، ربما تصلح حكمة باعثة على إيثار الوضع لما يستتبع التجوز على الوضع لما لا يستتبعه، وهو المعنى المجازي المفروض.
ألا ترى: أنك إذا قلت: " رأيت أسدا " مريدا به الرجل الشجاع، يفيد المعنى على الوجه الأكمل الذي لا يفيده قولك: " رأيت شجاعا " وفائدة الاستغناء عن مؤنة القرينة وإن كانت هي الحكمة الباعثة على فتح باب الوضع، غير إنها كثيرا ما لا تقع مؤثرة، لعدم مقاومتها في كثير من الألفاظ والمعاني مزايا التجوز، وإلا كان فتح باب التجوز في مظانه عدولا عن ملازمة مقتضى الحكمة، مع أنه يمكن منع