عذاب شديد ومغفرة...) الآية كأنه قال والحقيقة ها هنا وذكر العذاب أولا تهمما به من حيث الحذر في الانسان ينبغي أن يكون أولا فإذا تحرز من المخاوف مد حينئذ أمله فذكر تعالى ما يحذر قبل ما يطمع فيه وهو المغفرة والرضوان وعبارة الثعلبي (ثم يهيج) أي: يجف (وفي الآخرة عذاب شديد) لأعداء الله (ومغفرة): لأوليائه وقال الفراء (وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة) أي إما عذاب شديد وإما مغفرة (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور): هذا تزهيد في العمل للدنيا وترغيب في العمل للآخرة انتهى وهو حسن وعن طارق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعمت الدار الدنيا لمن تزود منها لآخرته وبئست الدار لمن صدته عن آخرته وقصرت به عن رضا ربه فإذا قال العبد قبح الله الدنيا قالت الدنيا قبح الله أعصانا لربه ". رواية الحاكم في " المستدرك " انتهى من " السلاح " ولا يشك عاقل أن حطام الدنيا مشغل عن التأهب للآخرة قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب " فضل العلم " وقد روي مرفوعا: " لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال " قال أبو عمر: ثم نقول: إن الزهد في الحلال وترك الدنيا مع القدرة عليها أفضل من الرغبة فيها في حلالها وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء المسلمين قديما وحديثا والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين في فضل الصبر والزهد فيها وفضل القناعة والرضا بالكفاف والاقتصار على ما يكفي دون التكاثر الذي يلهي ويطغى أكثر من أن يحيط بها كتاب أو يشمل عليها باب والذين زوى الله عنهم الدنيا من الصحابة أكثر من الذين فتحها عليهم أضعافا مضاعفة وقد روينا عن عبد الرحمن بن عوف أنه لما حضرته الوفاة بكى بكاء شديدا وقال: كان مصعب بن عمير خيرا مني توفي ولم يترك ما يكفن فيه وبقيت بعده حتى أصبت من الدنيا وأصابت مني ولا أحسبني إلا سأحبس عن أصحابي بما فتح الله علي من ذلك وجعل يبكي حتى
(٣٩٠)