وقوله تعالى: (وأنزلنا الحديد) عبر سبحانه عن خلقه الحديد بالإنزال كما قال:
(وأنزل لكم من الأنعام) [الزمر: 6] الآية قال جمهور من المفسرين الحديد هنا أراد به جنسه من المعادن وغيرها وقال حذاق من المفسرين: أراد به السلاح ويترتب معنى الآية بأن الله أخبر أنه أرسل رسلا وأنزل كتبا وعدلا مشروعا وسلاحا يحارب به من عاند ولم يقبل هدى الله إذ لم يقبل له عذر وفي الآية على هذا التأويل حض على القتال في سبيل الله وترغيب فيه.
وقوله: (وليعلم الله من ينصره) يقوي هذا التأويل.
وقوله: (بالغيب) معناه: بما سمع من الأوصاف الغائبة عنه فآمن بها وباقي الآية بين.
وقوله سبحانه: و (قفينا) معناه: جئنا بهم بعد الأولين وهو مأخوذ من القفا أي جئ بالثاني في قفا الأول فيجئ الأول بين يدي الثاني وقد تقدم بيانه.
وقوله سبحانه: (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية) الجعل في هذه الآية بمعنى الخلق.
وقوله: (ابتدعوها) صفة لرهبانية وخصها بأنا ابتدعت لأن الرأفة والرحمة في القلب لا تكسب للإنسان فيها وأما الرهبانية فهي أفعال بدن مع شئ في القلب ففيها موضع للتكسب ونحو هذا عن قتادة والمراد بالرأفة والرحمة حب بعضهم في بعض وتوادهم والمراد بالرهبانية رفض النساء واتخاذ الصوامع والديارات والتفرد للعبادات وهذا هو ابتداعهم ولم يفرض الله ذلك عليهم لكنهم فعلوا ذلك ابتغاء رضوان الله هذا تأويل جماعة وقرأ ابن مسعود " ما كتبناها عليهم لكن ابتدعوها " وقال مجاهد المعنى كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله فالاستثناء على هذا متصل واختلف في الضمير الذي في قوله: (فما رعوها) من المراد به فقال ابن زيد وغيره هو عائد على الذين ابتدعوا الرهبانية وفي هذا التأويل لزوم الإتمام لكل من بدأ بتطوع ونفل وأنه