قدومه فأذن له، وأمر الملا من أصحابه بالركوب معه، فخرج يوسف والملك معه في أربعة آلاف من الأمراء مع كل أمير خلق الله أعلم بهم، وركب أهل مصر معهم يتلقون يعقوب، فكان يعقوب يمشي متكئا على يد يهوذا، فنظر يعقوب إلى الخيل والناس والعساكر فقال:
يا يهوذا! هذا فرعون مصر؟ قال: لا، بل هذا ابنك يوسف، فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف ليبدأه بالسلام فمنع (1) من ذلك، وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل، فابتدأ يعقوب بالسلام فقال: السلام عليك يا مذهب الأحزان، وبكى وبكى معه يوسف، فبكى يعقوب فرحا، وبكى يوسف لما رأى بأبيه من الحزن، قال ابن عباس: فالبكاء أربعة، بكاء من الخوف، وبكاء من الجزع، وبكاء من الفرح، وبكاء رياء. ثم قال يعقوب: الحمد لله الذي أقر عيني بعد الهموم والأحزان، ودخل مصر في اثنين وثمانين من أهل بيته، فلم يخرجوا من مصر حتى بلغوا ستمائة ألف ونيف ألف، وقطعوا البحر مع موسى عليه السلام، رواه عكرمة عن ابن عباس. وحكى ابن مسعود أنهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وتسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة [ألف] (2) وسبعون ألفا. وقال الربيع بن خيثم: دخلوها وهم اثنان وسبعون ألفا، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف. وقال وهب: [بن منبه] (2) دخل يعقوب وولده مصر وهم تسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة وصغير، وخرجوا منها مع موسى فرارا من فرعون، وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجل مقاتلين، سوى الذرية والهرمى والزمني، وكانت الذرية ألف ألف ومائتي ألف سوى المقاتلة، وقال أهل التواريخ:
أقام يعقوب بمصر أربعا وعشرين سنة في أغبط حال ونعمة، ومات بمصر، وأوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق بالشام ففعل، ثم انصرف إلى مصر.
قال سعيد بن جبير: نقل يعقوب صلى الله عليه وسلم في تابوت من ساج إلى بيت المقدس، ووافق ذلك يوم مات عيصو، فدفنا في قبر واحد، فمن ثم تنقل اليهود موتاهم إلى بيت المقدس، من فعل ذلك منهم، وولد يعقوب وعيصو في بطن واحد، ودفنا في قبر واحد وكان عمرهما جميعا مائة وسبعا (3) وأربعين سنة.