إلا من قد آمن ". (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) أي فلا تغتم بهلاكهم حتى تكون بائسا، أي حزينا. والبؤس الحزن، ومنه قول الشاعر:
وكم من خليل أو حميم رزئته * فلم أبتئس والرزء فيه جليل يقال: ابتأس الرجل إذا بلغه شئ يكرهه. والابتئاس حزن في استكانة.
قوله تعالى: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) أي اعمل السفينة لتركبها أنت ومن آمن معك. " بأعيننا " أي بمرأى منا وحيث نراك. وقال الربيع بن أنس: بحفظنا إياك حفظ من يراك. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (بحراستنا)، والمعنى واحد، فعبر عن الرؤية بالأعين، لأن الرؤية تكون بها. ويكون جمع الأعين للعظمة لا للتكثير، كما قال تعالى: " فنعم القادرون " (1) [المرسلات: 23] " فنعم الماهدون " " وإنا لموسعون " (2) [الذاريات: 47]. وقد يرجع معنى الأعين في هذه الآية وغيرها إلى معنى عين، كما قال: " ولتصنع على عيني " (3) وذلك كله عبارة عن الإدراك والإحاطة، وهو سبحانه منزه عن الحواس والتشبيه والتكييف، لا رب غيره.
وقيل: المعنى " بأعيننا " أي بأعين ملائكتنا الذين جعلناهم عيونا على حفظك ومعونتك، فيكون الجمع على هذا التكثير على بابه. وقيل: " بأعيننا " أي بعلمنا، قاله مقاتل:
وقال الضحاك وسفيان: " بأعيننا " بأمرنا. وقيل: بوحينا. وقيل: بمعونتنا لك على صنعها. " ووحينا " أي على ما أوحينا إليك، من صنعتها. (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) أي لا تطلب إمهالهم فإني مغرقهم.
قوله تعالى: ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون (38) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم (39) حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل (40)