" من " بمعنى الذي، وتدخل " يتقي " في الصلة، فتثبت الياء لاغير، وترفع " ويصبر ". وقد يجوز أن تجزم " ويصبر " على أن تجعل " يتقي " في موضع جزم و " من " للشرط، وتثبت الياء، وتجعل علامة الجزم حذف الضمة التي كانت في الياء على الأصل، كما قال:
ثم نادي إذا دخلت دمشقا * يا يزيد بن خالد بن يزيد وقال آخر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي * بما لاقت لبون بني زياد وقراءة الجماعة ظاهرة، والهاء في " إنه " كناية عن الحديث، والجملة الخبر.
قوله تعالى: (قالوا تالله لقد آثرك الله علينا) الأصل همزتان خففت الثانية، ولا يجوز تحقيقها، واسم الفاعل مؤثر، والمصدر إيثار. ويقال: أثرت التراب إثارة فأنا مثير، وهو أيضا على أفعل ثم أعل، والأصل أثير (1) نقلت حركة الياء على الثاء، فانقلبت الياء ألفا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين. وأثرت الحديث على فعلت فأنا آثر، والمعنى: لقد فضلك الله علينا، واختارك بالعلم والحلم والحكم والعقل والملك. (وإن كنا لخاطئين) أي مذنبين من خطئ يخطأ إذا أتى الخطيئة، وفي ضمن هذا سؤال العفو. وقيل لابن عباس: كيف قالوا " وإن كنا لخاطئين " وقد تعمدوا لذلك؟ قال: وإن تعمدوا لذلك، فما تعمدوا حتى أخطئوا الحق، وكذلك كل من أتى ذنبا تخطى المنهاج الذي عليه من الحق، حتى يقع في الشبهة والمعصية.
قوله تعالى: (لا تثريب عليكم اليوم) أي قال يوسف - وكان حليما موفقا -:
" لا تثريب عليكم اليوم " وتم الكلام. ومعنى " اليوم ": الوقت. والتثريب التعيير والتوبيخ، أي لا تعيير ولا توبيخ ولا لوم عليكم اليوم، قال سفيان الثوري وغيره، ومنه قوله عليه السلام: " إذا زنت أمه أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها " أي لا يعيرها، وقال بشر:
فعفوت عنهم عفو غير مثرب * وتركتهم لعقاب يوم سرمد