الثانية - في الآية دليل على بطلان قول من يقول: إن الرؤيا على أول ما تعبر، لأن القوم قالوا: " أضغاث أحلام " ولم تقع كذلك، فإن يوسف فسرها على سني الجدب والخصب، فكان كما عبر، وفيها دليل على فساد أن الرؤيا على رجل طائر، فإذا عبرت وقعت.
قوله تعالى: وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة انا أنبئكم بتأويله فأرسلون (45) يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون (46) قوله تعالى: (وقال الذي نجا منهما) يعني ساقي الملك. " وادكر بعد أمة " أي بعد حين، عن ابن عباس وغيره، ومنه " إلى أمة معدودة " (1) [هود: 8] وأصله الجملة من الحين. وقال ابن درستويه (2): والأمة لا تكون الحين إلا على حذف مضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، كأنه قال - والله أعلم -: وادكر بعد حين أمة، أو بعد زمن أمة، وما أشبه ذلك، والأمة الجماعة الكثيرة من الناس. قال الأخفش: هو في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، وكل جنس من الحيوان أمة، وفي الحديث: " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ".
قوله تعالى: (وادكر) أي تذكر حاجة يوسف، وهو قول: " اذكرني عند ربك ".
وقرأ ابن عباس - فيما روى عفان عن همام عن قتادة عن عكرمة عنه - " وادكر بعه أمة ".
النحاس: المعروف من قراءة ابن عباس وعكرمة والضحاك " وادكر بعد أمه " بفتح الهمزة وتخفيف الميم، أي بعد نسيان، قال الشاعر:
أمهت وكنت لا أنسى حديثا * كذاك الدهر يودي بالعقول وعن شبيل بن عزرة الضبعي: " بعد أمه " بفتح الألف وإسكان الميم وهاء خالصة، وهو مثل الأمه، وهما لغتان، ومعناهما النسيان، ويقال: أمه يأمه أمها إذا نسي، فعلى هذا