نفسه فيما يريده أن يقول له: كن فيكون. وقيل: ترجع إلى يوسف، أي الله غالب على أمر يوسف يدبره ويحوطه ولا يكله إلى غيره، حتى لا يصل إليه كيد كائد. (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أي لا يطلعون على غيبه. وقيل: المراد بالأكثر الجميع، لان أحدا لا يعلم الغيب. وقيل: هو مجرى على ظاهره، إذ قد يطلع من يريد على بعض غيبه. وقيل:
المعنى " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أن الله غالب على أمره، وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر. وقالت الحكماء في هذه الآية: " والله غالب على أمره " حيث، أمره يعقوب ألا يقص رؤياه على إخوته فغلب أمر الله حتى قص، ثم أراد إخوته قتله فغلب أمر الله حتى صار ملكا وسجدوا بين يديه، ثم أراد الإخوة أن يخلو لهم وجه أبيهم فغلب أمر الله حتى ضاق عليهم قلب أبيهم، وافتكره بعد سبعين سنة أو ثمانين سنة، فقال: " يا أسفا على يوسف " ثم تدبروا أن يكونوا من بعده قوما صالحين، أي تائبين فغلب أمر الله حتى نسوا الذنب وأصروا عليه حتى أقروا بين يدي يوسف في آخر الأمر بعد سبعين سنة، وقالوا لأبيهم: " إنا كنا خاطئين " [يوسف: 97] ثم أرادوا أن يخدعوا أباهم بالبكاء والقميص [فغلب أمر الله] (1) فلم ينخدع، وقال: " بل سولت لكم أنفسكم أمرا " [يوسف: 18] ثم احتالوا في أن تزول محبته من قلب أبيهم فغلب أمر الله فازدادت المحبة والشوق في قلبه، ثم دبرت امرأة العزيز أنها إن ابتدرته بالكلام غلبته، فغلب أمر الله حتى قال العزيز: " استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين " [يوسف: 29]، ثم دبر يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي فغلب أمر الله فنسي الساقي، ولبث يوسف في السجن بضع سنين. قوله تعالى: ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين (22) قوله تعالى: (ولما بلغ أشده) " أشده " عند سيبويه جمع واحده شده. وقال الكسائي: واحده شد، كما قال الشاعر (1): (1) عهدي به شد النهار كأنما * خضب اللبان ورأسه بالعظلم