قوله تعالى: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين (35) فيه أربع مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (ثم بدا لهم) أي ظهر للعزيز وأهل مشورته " من بعد أن رأوا الآيات " أي علامات براءة يوسف - من قد القميص من دبر، وشهادة الشاهد، وحز الأيدي، وقلة صبرهن عن لقاء يوسف - أن يسجنوه كتمانا للقصة ألا تشيع في العامة، وللحيلولة بينه وبينها. وقيل: هي البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم، والأول أصح. قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قول: " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات " قال: القميص من الآيات، وشهادة الشاهد من الآيات، وقطع الأيدي من الآيات، وإعظام النساء إياه من الآيات. وقيل: ألجأها الخجل من الناس، والوجل من اليأس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب، لتشتفي إذا منعت من نظره، قال:
وما صبابة مشتاق على أمل * من اللقاء كمشتاق بلا أمل أو كادته رجاء أن يمل حبسه فيبذل نفسه.
قوله تعالى: (ليسجننه) " يسجننه " في موضع الفاعل، أي ظهر لهم أن يسجنوه، هذا قول سيبويه. قال المبرد: وهذا غلط، لا يكون الفاعل جملة، ولكن الفاعل ما دل عليه " بدا " وهو مصدر، أي بدا لهم بداء، فحذف لأن الفعل يدل عليه، كما قال الشاعر:
وحق لمن أبو موسى أبوه * يوفقه الذي نصب الجبالا أي وحق الحق، فحذف. وقيل: المعنى ثم بدا لهم رأي لم يكونوا يعرفونه، وحذف هذا لأن في الكلام دليلا عليه، وحذف أيضا القول، أي قالوا: ليسجننه، واللام جواب ليمين مضمر، قاله الفراء، وهو فعل مذكر لا فعل مؤنث، ولو كان فعلا مؤنثا لكان يسجنانه،