إذا كان معناه صفة كان تقدير الكلام: صفة الجنة التي فيها أنهار، وذلك غير مستقيم، لأن الأنهار في الجنة نفسها لا صفتها. وقال الزجاج: مثل الله عز وجل لنا ما غاب عنا بما نراه، والمعنى: مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار، وأنكره أبو علي فقال: لا يخلو المثل على قوله أن يكون الصفة أو الشبه، وفي كلا الوجهين لا يصح ما قاله، لأنه إذا كان بمعنى الصفة لم يصح، لأنك إذا قلت: صفة الجنة جنة، فجعلت الجنة خبرا لم يستقم ذلك، لأن الجنة لا تكون الصفة، وكذلك أيضا شبه الجنة جنة، ألا ترى أن الشبه عبارة عن المماثلة التي بين المتماثلين، وهو حدث، والجنة غير حدث، فلا يكون الأول الثاني. وقال الفراء: المثل مقحم للتأكيد، والمعنى: الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار، والعرب تفعل ذلك كثيرا بالمثل، كقوله: " ليس كمثله شئ " (1) [الشورى: 11]: أي ليس هو كشئ (2). وقيل التقدير: صفة الجنة التي وعد المتقون صفة جنة " تجري من تحتها الأنهار ". وقيل معناه: شبه الجنة التي وعد المتقون في الحسن والنعمة والخلود كشبه النار في العذاب والشدة والخلود، قاله مقاتل.
(أكلها دائم) لا ينقطع، وفي الخبر: " إذا أخذت ثمرة عادت مكانها أخرى " وقد بيناه في " التذكرة ". (وظلها) أي وظلها كذلك، فحذف، أي ثمرها لا ينقطع، وظلها لا يزول، وهذا رد على الجهمية في زعمهم أن نعيم الجنة يزول ويفني. (تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار) أي عاقبة أمر المكذبين وآخرتهم النار يدخلونها.
قوله تعالى: والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه ادعوا وإليه مآب (36) قوله تعالى: (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك) أي بعض من أوتي الكتاب يفرح بالقرآن، كابن سلام وسلمان، والذين جاءوا من الحبشة، فاللفظ عام، والمراد الخصوص. وقال قتادة: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يفرحون بنور القرآن، وقاله مجاهد