لقوله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ".
وجاء عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أنه لم يكن وجه أكرم عليهم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يقومون له إذا رأوه، لما يعرفون من كراهته لذلك.
الثالثة - فإن قيل: فما تقول في الإشارة بالإصبع؟ قيل له: ذلك جائز إذا بعد عنك، لتعين له به وقت السلام، فإن كان دانيا فلا، وقد قيل بالمنع في القرب والبعد، لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تشبه بغيرنا فليس منا ". وقال:
" لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى فإن تسليم اليهود بالأكف والنصارى بالإشارة ". وإذا سلم فإنه لا ينحني، ولا أن يقبل مع السلام يده، ولأن الانحناء على معنى التواضع لا ينبغي إلا لله. وأما تقبيل اليد فإنه من فعل الأعاجم، ولا يتبعون على أفعالهم التي أحدثوها تعظيما منهم لكبرائهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقوموا عند رأسي كما تقوم الأعاجم عند رؤوس أكاسرتها " فهذا مثله. ولا بأس بالمصافحة، فقد صافح النبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب حين قدم من الحبشة، وأمر بها، وندب إليها، وقال: " تصافحوا يذهب الغل " وروى غالب التمار عن الشعبي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا التقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، فإن قيل: فقد كره مالك المصافحة؟ قلنا: روى ابن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة، وذهب إلى هذا سحنون وغيره من أصحابنا، وقد روي عن مالك خلاف ذلك من جواز المصافحة، وهو الذي يدل عليه معنى ما في الموطأ، وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف. قال ابن العربي: إنما كره مالك المصافحة لأنه لم يرها أمرا عاما في الدين، ولا منقولا نقل السلام، ولو كانت منه (2) لاستوى معه.
قلت: قد جاء في المصافحة حديث يدل على الترغيب فيها، والدأب عليها والمحافظة، وهو ما رواه البراء بن عازب قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقلت: يا رسول الله! أن كنت لأحسب أن المصافحة للأعاجم؟ فقال: " نحن أحق بالمصافحة منهم مامن مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبها بينهما ".