العالم قديما، لأن العلة توجب معلولها في الحال والسبب يوجب المسبب إما في الحال أو الثاني، وكلاهما يوجبان قدم الأجسام وقد دللنا على حدوثها، فبطل بذلك أن يكون صانع العالم موجبا ولم يبق بعد ذلك إلا أن يكون مختارا له صفة القادرين.
وإذا ثبت كونه قادرا وجب أن يكون حيا موجودا، لأن من المعلوم أن القادر لا يكون إلا كذلك، فثبت أنه تعالى قادر حي موجود.
وأما الذي يدل على أنه عالم هو أن الأحكام ظاهر في أفعاله كخلق الإنسان وغيره من الحيوان، لأن فيه من بديع الصنعة ومنافع الأعضاء وتعديل الأمزجة وتركيبها على وجه يصح معه أن يكون حيا لا يقدر عليه إلا من هو عالم بما يريد فعله، لأنه لو لم يكن عالما لما وقع على هذا الوجه من الأحكام والنظام ولاختلف في بعض الأحوال، ولما كان ذلك واقعا على حد واحد ونظام واحد واتساق واحد دل على أن صانعه عالم.
وكذلك خلقه الثمار في أوقات مخصوصة لا تختلف وفي كل شجر ما هو من جنسه وفي كل حيوان من شكله دال على أن خالق ذلك عالم، وإلا لكان يجوز أن يخلق الفواكه الصيفية في الشتاء والشتوية في الصيف، ويخلق في البهيمة من جنس ابن آدم أو في ابن آدم من جنس البهائم، أو يخلق في النخل نبقا وفي الرمان تفاحا وغير ذلك. وفي علمنا بالمطابقة في هذا الباب دليل على أن صانعها عالم بما صنعه.
ألا ترى أن في المشاهد لا تقع الكتابة إلا ممن هو عالم بها، ولا النساجة إلا ممن هو عالم بترتيبها وكيفية إيقاعها، وغيره وإن كان أقدر منه يتعذر عليه مثله لفقد علمه، والضعيف القليل القدر يصح منه ذلك لعلمه بكيفية إيقاعه.
وإذا كان القدر اليسير من أفعالنا المحكمة لا تقع إلا من عالم، فألا تقع