الأفعال التي أشرنا إليها الزائدة على أحكام كل محكم أولى وأحرى، فثبت بذلك أن صانع العالم عالم.
ولا يجوز أن يكون بصفة الظانين ولا المعتقدين، [لأن الصنائع المحكمة تحتاج إلى من له صفة العالمين دون الظانين المعتقدين] 1)، لأنها تحتاج إلى أمر يلزم كمال العقل ولا يخرج عنه من ثبوت عقله، والظن والاعتقاد الذي ليس بعلم لا يوجب لزومه لكمال العقل. فوجب من ذلك أن يكون صانع العالم عالما دون أن يكون ظانا أو معتقدا.
ويجب أيضا أن يكون مدركا للمدركات سميعا بصيرا، لأن الحي الذي لا آفة به متى وجدت المدركات وارتفعت الموانع واللبس وجب أن يكون مدركا لها. ألا ترى أن من كانت حواسه صحيحة ووجدت المرئيات وارتفعت الموانع واللبس وجب أن يكون رائيا لها، وكذلك إذا وجدت الأصوات وسمعه صحيح وجب أن يدركها ويفصل بين حاله وهو مدرك لها وبين أن لا يدركها.
وهذا الفرق لا يستند إلى كونه حيا، لأنه كان حيا قبل ذلك ولم يجد نفسه كذلك ولا إلى كونه عالما لأنه يكون عالما بها قبل إدراكها 2) ولا يجد نفسه على هذه الحال. ألا ترى أن الإنسان يعلم الصوت بعد تقضيه ويعلمه أيضا قبل وجوده ولا يجد نفسه على ما يجد عليه إذا أدركه، وكذلك المتألم يدرك الآلام وإن لم يعلمها. فثبت بذلك أن الادراك غير العلم والحياة.
وإذا كان القديم تعالى حيا والآفات والموانع لا تجوز عليه لأنه ليس يرى بحاسة ووجدت المدركات وجب أن يكون مدركا لها.
وليس لواحد أن يقول: إن الواحد منا يدرك بمعنى هو إدراك، والمعنى ولا يجوز عليه تعالى، وذلك أن الادراك ليس بمعنى، وإنما الواحد منا يدرك