منه الكلام الذي هو هذا المعقول بحسب دواعيه وأحواله.
والكلام المعقول ما انتظم من حرفين فصاعدا من هذه الحروف المعقولة التي هي ثمانية وعشرون حرفا إذا وقع ممن يصح منه أو من قبله للإفادة.
والدليل على ذلك أنه إذا وجدت هذه الحروف على هذا الوجه سمى كلاما، وإذا اختل واحد من الشروط لا يسمى بذلك، فعلمنا أنه حقيقة الكلام متى وقع ما سميناه كلاما [بحسب دواعيه] 1) وأحواله سمي متكلما فعرفنا بذلك حقيقة المتكلم. وإذا ثبت حقيقة الكلام والمتكلم ثبت أن كلامه محدث، لأن هذه الإضافة تقتضي ذلك.
وليس لأحد أن يقول: لو لم يوصف تعالى فيما لم يزل بأنه متكلم يوصف بضده من الخرس والسكوت، وذلك أن الخرس إنما هو فساد آلة الكلام [والسكوت هو تسكين آلة الكلام] 2)، والله تعالى ليس بمتكلم بآلة فلا يوصف بشئ من ذلك. ثم ذلك ينتقض بالصائح والصارخ، فإنه لا يوصف بالخرس ولا بالسكوت ولا بالكلام، فبطل ما قالوه.
وينبغي أن يوصف كلام الله [بما سماه الله] 3) تعالى به من كونه محدثا، قال الله تعالى " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه " 4)، والذكر هو القرآن بدلالة قوله " وأنزلنا إليك الذكر " 5) وقوله " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " 6)