صوارفنا حدوثها أيضا، فعلمنا أن علة حاجتها إلينا حدوثها.
والثاني: أن هذه الأشياء لها ثلاثة أحوال: حال عدم، وحال حدوث، وحال بقاء. فهي لا تحتاج إلينا في حال عدمها، لكونها معدومة في الأزل، وهي تستغني عني في حال بقائها، وإنما تتعلق بنا وتحتاج إلينا في حال حدوثها، فعلمنا بذلك أن علة حاجتها إلينا الحدوث، فعند ذلك نحكم بحاجة الأجسام ، إذا ثبت حاجة حدوثها إلى محدث للاشتراك في علة الحاجة.
وهذه الجملة كافية في هذا الباب، فإن استيفاء ذلك ذكرناه في شرح الجمل، وفي هذا القدر كفاية إنشاء الله تعالى.
وأما ما يجب أن يكون عليه من الصفات:
فأول ذلك أنه يجب أن يكون قادرا، لأن الفعل لا يصح أن يصدر إلا من قادر.
ألا ترى أنا نجد فرقا بين من يصح منه الفعل وبين من يتعذر عليه ذلك، فلا بد من أن يكون من صح منه الفعل مختصا بأمر ليس عليه من تعذر عليه ذلك وإلا تساويا في الصحة أو التعذر [وقد علمنا خلافه] 1). وأهل اللغة من اختص بهذه المفارقة يسمونه قادرا، فأثبتت المفارقة لمقتضى العقل والتسمية لأجل اللغة، فإذا كان صانع العالم صح منه الفعل وجب أن يكون قادرا.
على أنا دللنا على أن أفعالنا محتاجة إلينا دال على حاجتها إلى من له صفة المختارين، فإسنادها إلى من ليس له صفة المختارين في البطلان كبطلان إسنادها إلى مؤثر، وكلاهما فاسدان.
على أن صانع العالم لا يخلو من أن يكون قادرا مختارا أو موجبا هو علة أو سبب، ولا يجوز أن يكون علة ولا سببا، لأنهما لا يخلو من أن يكونا قديمين أو محدثين، فلو كانا محدثين لاحتاجا إلى علة أخرى أو سبب آخر، وذلك يؤدي إلى ما لا نهاية له من العلل والأسباب، وإن كانا قديمين وجب أن يكون