فإذا وجبت معرفة الله تعالى فلا يخلو أن يعرفه ضرورة، أو يكون عن نظر مختار، [أو ملجأ إلى فعله، أ وتذكر نظر، أو بأن يلجأ الفاعل إلى نفس المعرفة من غير تقدم نظر] 1). ولا يجوز أن تكون واقعة عن نظر مبتدأ، لأن ذلك تكليف ومشقة، وقد بينا أنه ليس هناك تكليف.
ولا يجوز أن يكونوا ملجئين إلى النظر، لأن الالجاء إلى النظر مع إمكان الالجاء إلى المعرفة عبث، ولأن ذلك أيضا فيه مشقة. وما يمنع من الالجاء إلى نفس المعرفة يمنع من الالجاء إلى سبب المعرفة.
ولا يجوز أن يقع عن تذكر نظر، لأن المتذكر يجوز أن يدخل عليه شبهة فيلزمه حلها، وفي ذلك رجوع إلى التكليف الذي بينا فساده.
وليس لأحد أن يقول: لا تعترض الشبهات في الآخرة مع مشاهدة تلك الآيات والأحوال، وذلك أن جميع ذلك لا يمنع من دخول الشبهة وأن تكون المعرفة مكتسبة، كما أن من شاهد المعجزات لم يمنع من ذلك في دار الدنيا.
ولا يجوز أن يقع الالجاء إلى نفس المعرفة، لأن الالجاء إلى أفعال القلوب التي لا يعلمها إلا الله لا يجوز أن تقع إلا من الله. وإذا وجب أن يكون الملجأ إلى العلم عارفا بالله فقد استعصى بتقدم المعرفة عن الالجاء إليها.
وقد قيل: إن الالجاء إلى العلم إنما يكون بأن يعلم أنه متى خاف اعتقادا غيره منع منه، فإقدامه على الاعتقاد الذي وصفنا حاله لا يكون لأجله الاعتقاد علما، فلم يبق من الأقسام إلا أن تكون المعرفة ضرورية.
ولا يجوز أن يكون أهل الآخرة مضطرين إلى أفعالهم على ما حكي عن أبي الهذيل، لأن الاضطرار إلى الأفعال ينقص من لذتها، لأن التخير في الأفعال أبلغ في باب اللذة والسرور. وأيضا فإن الترغيب في الثواب هو على الوجه المألوف