صورة الأمر والمراد به الإباحة المحضة.
وقال قوم: إنه أمر لا يزيد في سرورهم إذا علموا أن الله يريد منهم ذلك، إلا أنهم لا يختلفون أن ذلك ليس على وجه التكليف وأنه لا مشقة عليهم في ذلك.
وأما شكرهم لنعم الله تعالى فما يرجع إلى الاعتقاد فهم مضطرون إليه، لأن معارفهم ضرورية فهي خارجة عن التكليف، وما يرجع إلى اللسان فيجوز أن يكون لأهل الجنة فيه سرور، ومعارف أهل الآخرة ضرورة، وهم ملجأون إلى أن لا يفعلوا القبيح، ولا بد أن يعرفوا الله تعالى، لأن المثاب لا بد أن يعلم أن الثواب واصل إليه على الوجه الذي يستحقه، ولا يصح ذلك إلا مع كمال العقل والمعرفة بالله تعالى وحكمته، ليعلم أن ما فعله به هو الذي استحقه.
والقول في المعاقب مثله، لأن من شرط الثواب أن يصل إلى مستحقه مع الاعظام والاكرام من فاعل الثواب [لأن الاعظام من غير فاعل الثواب] 1) لا يؤثر فيه، والاعظام لا يعلم إلا مع القصد إلى التعظيم، ولا يجوز أن يعلم قصده من لا يعلمه. وكذلك القول في العقاب، ووصوله على سبيل الاستخفاف والإهانة.
ولأن المثاب يجب أن يعلم أن ما فعل به يستحقه، ومتى لم يعلم ذلك جوز أن يكون تفضلا فيعتقده فيكون معرضا لجهل، وكذلك لا يتم إلا بعد معرفة الله تعالى.
وكذلك أهل النار متى لم يعلموا أن ما يصل إليهم يستحقونه جوزوا أن يكون ظلما، وربما اعتقدوه كذلك، فيكونون معرضون للجهل، وذلك لا يجوز ولقائل أن يقول: العاقل يعلم قبح اعتقاد لا يأمن كونه جهلا فهو إذا لم يعلم الثواب مستحقا أو العقاب وجب عليه التوقف ولا يقدم.