وأما ضيق القبر عن العقاب فإنه يجوز أن يوسعه الله تعالى حتى يمكن ذلك، وإن كان المتولي لذلك الملائكة فلا يحتاجون إلى سعة موضع.
وإذا كان العقاب مستحقا فإنه يجوز أن يكون في تقديم بعضه مصلحة للمكلفين من البشر والملائكة، فيقدم منه بعضه في الدنيا كالحدود وبعضه في القبر، لما في الإخبار به من المصلحة في دار التكليف.
ومتى قال لا حال ينبش فيها الميت إلا ويوجد على ما هو عليه، فأما من قال ليس لعذاب القبر وقت لا يلزمه ذلك، ومن قال هو عقيب الدفن يقول لا يمتنع أن لا يعقل إذا أردنا نبش القبر لما فيه من المصلحة.
ومتى قيل: لو عوقب لوجب أن يكون عاقلا قادرا على الكلام فكان يسمع كلامه. قلنا: كمال العقل لا بد منه، فلا يجب أن يكون قادرا على الكلام إما بأن لا يكون فيه قدرة أصلا أو يكون ممنوعا منه.
وأما الملكان النازلان عليه فإنما سميا منكرا ونكيرا اشتقاقا من استنكار المعاقب لفعلهما أو نفوره عنهما، وليس بمشتق من الانكار.
وأما المحاسبة والمسألة في الموقف - وإن كان الله تعالى عالما بأحوالهم لأنه عالم لنفسه - لا يمتنع أن يكون في تقديمه غرض، لأن بالمحاسبة والمسألة وشهادة الجوارح يظهر الفرق بين أهل الجنة والنار ويتميز بعضهم من بعض فيسر بذلك أهل الجنة ويكثر بذلك نفعهم، ويكون لنا في العلم به مصلحة في دارا التكليف.
والاجماع حاصل على المحاسبة والقرآن يشهد به لقوله تعالى " وكفى بنا حاسبين " 1).
وكذلك شهادة الجوارح ونشر الصحف مجمع عليه، والقرآن شاهد به،