لكن المسألة وإن كانت عامة فهي على المؤمنين سهلة وعلى الكافرين صعبة، لما فيها من التبكيت والمناقشة.
وأما كيفية شهادة الجوارح فقال قوم بينها الله تعالى متى يشهد، وقيل إن الله تعالى يفعل فيها الشهادة وأضافها إلى الجوارح مجازا، وكلا الأمرين مجاز.
وقيل إن الشاهد هو العاصي نفسه يشهد على نفسه بما فعله ويقربه ويكون ذلك حقيقة، وقيل إنه تظهر فيه أمارة تدل على الفرق بين العاصي والمطيع. وكل ذلك جائز.
فأما الميزان فقال قوم إنه عبارة عن العدل والتسوية والقسمة الصحيحة كما يقولون كلام فلان موزون وأفعاله موزونة. وهذا وجه حسن يليق بفصاحة الكلام.
وقال قوم: المراد به الميزان والكفتين، وإن الأعمال وإن لم يصح وزنها والصحف التي فيها هذه الأعمال يصح وزنها. وقيل: إنه يجعل النور في إحدى الكفتين والظلمة في الأخرى، ويكون لنا في الإخبار عن ذلك مصلحة في التكليف.
وأما الصراط فقد قال قوم إنه طريق أهل الجنة والنار، وإنه يمهد لأهل الجنة ويتسهل لهم سلوكه ويضيق على أهل النار ويشق عليهم سلوكه. وقال آخرون المراد به الحجج والأدلة المفرقة بين أهل الجنة والنار المميزة بينهم.
فأما أهل الآخرة فالتكليف عن جميعهم زائل مثابين كانوا أو معاقبين، وإنما كان كذلك لأنهم لو كانوا مكلفين لجاز منهم وقوع التوبة فيسقط عقابهم، وذلك يمنع منه الإجماع.
ويمنع أيضا من استحقاق ثواب أو عقاب لإجماعهم على أنه ليس بدار استحقاق، ولأن من شأن الثواب أن يكون خالصا صافيا من أنواع الشوب والكدر، والتكليف ينافي ذلك، فعلى هذا قوله " كلوا واشربوا " 1) صورته