ووجه المعارضة بقوله " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " أنه تعالى لم ينف غفران الشرك على كل حال، بل نفى أن يغفره تفضلا، فكأنه قال لا يغفر أن يشرك به تفضلا بل استحقاقا، فيجب أن يكون المراد بقوله " ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " أي يغفره بغير استحقاق بل تفضلا، لأن موقع الكلام الذي يدخله النفي والاثبات وينظم إليه التعظيم والدون أن يخالف الثاني الأول. ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول القائل " أنا لا أركب إلى الأمير إلا إذا ركب إلي وأركب إلى من هو دونه وإن لم يركب إلي " وكذلك إذا قال " لا أتفضل بالكثير من مالي وأعطي اليسير إذا استحق علي " وإنما يحسن أن يقول " وأعطي اليسير تفضلا من غير استحقاق ".
على أن قوله " ويغفر ما دون ذلك " يقتضي عمومه أنه يغفر كل ما دون الشرك صغيرا كان أو كبيرا تاب منه أو لم يتب، لأن عموم ما يقتضي ذلك على مدعاهم وليس لهم أن يخصوا عموم هذه الآية لتسلم عموم آياتهم، لأنا نعكس ذلك فنخص عموم آيات الوعيد بالكفار لتسلم آيات العفو.
والشبهة إنما دخلت في الآية في أعيان المغفور لهم دون الغفران، وإنما كانت تكون في الغفران لو قال يغفر ما دون ذلك إن شاء، والأمر بخلافه.
ونحن لا نقطع على أنه يغفر لكل أحد بل ذلك متعلق بمشيئته.
على أنه تعالى علق الغفران في الآية بالمشيئة، وظاهر ذلك أنه تفضلا، لأن الواجب لا يتعلق بالمشيئة، لأنه لا يجوز أن يقول القائل: أنا أرد الوديعة إن شئت. ويجوز أن يقول: أنا أتفضل إن شئت.
والآية الثانية الوجه فيها أنه تعالى أخبر أنه يغفر الذنوب على ظلمهم، ومعناه في حال كونهم ظالمين. ويجري ذلك مجرى قولهم: لقيت فلانا على أكله وأوده على عذره. ومتى شرطوا فيها التوبة كان ذلك تركا للظاهر.