أما قوله: * (من نسائهم) * ففيه سؤال، وهو أنه يقال: المتعارف أن يقال: حلف فلان على كذا أو آلى على كذا، فلم أبدلت لفظة * (على) * ههنا بلفظة * (من) *؟.
والجواب من وجهين: الأول: أن يراد لهم من نسائهم تربص أربعة أشهر، كما يقال: لي منك كذا والثاني: أنه ضمن في هذا القسم معنى البعد، فكأنه قيل: يبعدون من نسائهم مولين أو مقسمين.
أما قوله تعالى: * (تربص أربعة أشهر) * فاعلم أن التربص التلبث والانتظار يقال: تربصت الشيء تربصا، ويقال: ما لي على هذا الأمر ربصة، أي تلبث، وإضافة التربص إلى أربعة أشهر إضافة المصدر إلى الظرف كقوله: بينهما مسيرة يوم، أي مسيرة في يوم ومثله كثير.
أما قوله: * (فإن فاءوا) * فمعناه فإن رجعوا، والفئ في اللغة هو رجوع الشيء إلى ما كان عليه من قبل، ولهذا قيل لما تنسخه الشمس من الظل ثم يعود: فيء، وفرق أهل العربية بين الفيء والظل، فقالوا: الفيء ما كان بالعشي، لأنه الذي نسخته الشمس والظل ما كان بالغداة لأنه لم تنسخه الشمس وفي الجنة ظل وليس فيها فيء، لأنه لا شمس فيها، قال الله تعالى: * (وظل ممدود) * (الواقعة: 30) وأنشدوا: فلا الظل من برد الضحى يستطيعه * ولا الفيء من برد العشي يذوق وقيل: فلان سريع الفيء والفيئة حكاهما الفراء عن العرب، أي سريع الرجوع عن الغصب إلى الحالة المتقدمة وقيل: لما رده الله على المسلمين من مال المشركين فيء كأنه كان لهم فرجع إليهم فقوله: * (فإن فاءوا) * معناه فإن فرجعوا عما حلفوا عليه من ترك جماعها * (فإن الله غفور رحيم) * للزوج إذا تاب من إضراره بامرأته كما أنه غفور رحيم لكل التائبين.
أما قوله تعالى: * (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) * فاعلم أن العزم عقد القلب على الشيء يقال عزم على الشيء يعوم عزما وعزيمة، وعزمت عليك لتفعلن، أي أقسمت، والطلاق مصدر طلقت المرأة أطلق طلاقا، وقال الليث: طلقت بضم اللام، وقال ابن الأعرابي: طلقت بضم اللام من الطلاق أجود، ومعنى الطلاق هو حل عقد النكاح بما يكون حلالا في الشرع، وأصله من الإنطلاق، وهو الذهاب، فالطلاق عبارة عن انطلاق المرأة، فهذا ما يتعلق بتفسير لفظ الآية.
أما الأحكام فكثيرة ونذكر هاهنا بعض ما دلت الآية عليه في مسائل:
المسألة الأولى: كل زوج يتصور منه الوقاع، وكان تصرفه معتبرا في الشرع، فإنه يصح