المسألة الرابعة: المقصود من الآية أن الإنسان يجئ وحده، ولا يكون معه شيء مما حصله في الدنيا، قال تعالى: * (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) * (الأنعام: 94) وقال: * (ونرثه ما يقول ويأتينا فردا) * (مريم: 80).
أما قوله: * (لا بيع فيه) * ففيه وجهان الأول: أن البيع ههنا بمعنى الفدية، كما قال: * (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية) * (الحديد: 15) وقال: * (ولا يقبل منها عدل) * (البقرة: 123) وقال: * (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) * (الأنعام: 7) فكأنه قال: من قبل أن يأتي يوم لا تجارة فيه فتكتسب ما تفتدي به من العذاب والثاني: أن يكون المعنى: قدموا لأنفسكم من المال الذي هو في ملككم قبل أن يأتي اليوم الذي لا يكون فيه تجارة ولا مبايعة حتى يكتسب شيء من المال.
أما قوله: * (ولا خلة) * فالمراد المودة، ونظيره من الآيات قوله تعالى: * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) * (الزخرف: 67) وقال: * (وتقطعت بهم الأسباب) * (البقرة: 166) وقال: * (ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) * (العنكبوت: 25) وقال حكاية عن الكفار: * (فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) * (الشعراء: 100) وقال: * (وما للظالمين من أنصار) * (البقرة: 270) وأما قوله: * (ولا شفاعة) * يقتضي نفي كل الشفاعات.
واعلم أن قوله: * (ولا خلة ولا شفاعة) * عام في الكل، إلا أن سائر الدلائل دلت على ثبوت المودة والمحبة بين المؤمنين، وعلى ثبوت الشفاعة للمؤمنين، وقد بيناه في تفسير قوله تعالى: * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * (البقرة: 281) * (لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة) * (البقرة: 48).
واعلم أن السبب في عدم الخلة والشفاعة يوم القيامة أمور أحدها: أن كل أحد يكون مشغولا بنفسه، على ما قال تعالى: * (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغبيه) * (عبس: 37) والثاني: أن الخوف الشديد غالب على كل أحد، على ما قال: * (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) * (الحج: 2) والثالث: أنه إذا نزل العذاب بسبب الكفر والفسق صار مبغضا لهذين الأمرين، وإذا صار مبغضا لهما صار مبغضا لمن كان موصوفا بهما.
أما قوله تعالى: * (والكافرون هم الظالمون) * فنقل عن عطاء بن يسار أنه كان يقول: الحمد لله الذي قال: * (والكافرون هم الظالمون) * ولم يقل الظالمون هم الكافرون، ثم ذكروا في تأويل هذه الآية وجوها أحدها: أنه تعالى لما قال: * (ولا خلة ولا شفاعة) * أوهم ذلك نفي الخلة والشفاعة مطلقا، فذكر تعالى عقيبه: * (والكافرون هم الظالمون) * ليدل على أن ذلك النفي مختص بالكافرين، وعلى هذا التقدير تصير الآية دالة على إثبات الشفاعة في حق الفساق، قال القاضي: هذا التأويل غير صحيح لأن قوله: * (والكافرون هم الظالمون) * كلام مبتدأ فلم يجب تعليقه بما تقدم.