الفجر بالذكر، فدل هذا على مزيد فضلها، ثم إنه تعالى خص الصلاة الوسطى بمزيد التأكيد، فيغلب على الظن أن صلاة الفجر لما ثبت أنها أفضل بتلك الآية، وجب أن تكون هي المراد بالتأكيد المذكور في هذه الآية والثاني: أن الملائكة تتعاقب بالليل والنهار، فلا تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في وقت واحد إلا صلاة الفجر، فثبت أن صلاة الفجر قد أخذت بطرفي الليل والنهار من هذا الوجه، فكانت كالشئ المتوسط السادس: أنه تعالى قال بعد ذكر الصلاة الوسطى: * (وقوموا لله قانتين) * قرن هذه الصلاة بذكر القنوت، وليس في الشرع صلاة ثبت بالأخبار الصحاح القنوت فيها إلا الصبح، فدل على أن المراد بالصلاة الوسطى هي صلاة الصبح السابع: لا شك أنه تعالى إنما أفردها بالذكر لأجل التأكيد، ولا شك أن صلاة الصبح أحوج الصلوات إلى التأكيد، إذ ليس في الصلاة أشق منها، لأنها تجب على الناس في ألذ أوقات النوم، حتى إن العرب كانوا يسمون نوم الفجر العسيلة للذتها، ولا شك أن ترك النوم اللذيذ الطيب في ذلك الوقت، والعدول إلى استعمال الماء البارد، والخروج إلى المسجد والتأهب للصلاة شاق صعب على النفس، فيجب أن تكون هي المراد بالصلاة الوسطى إذ هي أشد الصلوات حاجة إلى التأكيد الثامن: أن صلاة الصبح أفضل الصلوات، وإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد من الصلاة الوسطى صلاة الصبح، إنما قلنا: إنها أفضل الصلوات لوجوه أحدها: قوله تعالى: * (الصابرين والصادقين) * إلى قوله تعالى: * (والمستغفرين بالأسحار) * (آل عمران: 17) فجعل ختم طاعاتهم الشريفة وعباداتهم الكاملة بذكر كونهم مستغفرين بالأسحار، ثم يجب أن يكون أعظم أنواع الاستغفار هو أداء الفرض، لقوله عليه الصلاة والسلام حاكيا عن ربه تعالى " لن يتقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم " وذلك يقتضي أن أفضل الطاعات بعد الإيمان هو صلاة الصبح وثانيها: ما روي فيها أن التكبيرة الأولى منها مع الجماعة خير من الدنيا وما فيها وثالثها: أنه ثبت بالأخبار الصحيحة أن صلاة الصبح مخصوصة بالأذان مرتين: مرة قبل طلوع الفجر، ومرة أخرى بعده وذلك لأن المقصود من المرة الأولى إيقاظ الناس حتى يقوموا ويتشمروا للوضوء ورابعها: أن الله تعالى سماها بأسماء، فقال في بني إسرائيل: * (وقرآن الفجر) * (الإسراء: 78) وقال في النور: * (من قبل صلاة الفجر) * (النور: 58) وقال في الروم: * (وحين تصبحون) * (الروم: 17) وقال عمر بن الخطاب: المراد من قوله: * (وإدبار النجوم) * (الطور: 49) صلاة الفجر وخامسها: أنه تعالى أقسم به فقال: * (والفجر * وليال عشر) * (الفجر: 1، 2) ولا يعارض هذا بقوله تعالى: * (والعصر * إن الإنسان لفي خسر) * (العصر: 1، 2) فإنا إذا سلمنا أن المراد منه القسم بصلاة العصر لكن في صلاة الفجر تأكيد، وهو قوله: * (أقم الصلاة طرفي النهار) * (هود: 114) وقد بينا أن هذا التأكيد لم يوجد في العصر
(١٥٩)