ولأن أكثر الألفاظ في هذا المعنى جاء على المعنى بفعل دون فاعل كقوله: * (لم يطمثهن) * (الرحمن: 56) وكقوله: * (فانكحوهن بإذن أهلهن) * (النساء: 25) وأيضا المراد من هذا المس: الغشيان، وذلك فعل الرجل، ويدل في الآية الثانية على أن المراد من هذا المس الغشيان، وأما ما جاء في الظهار من قوله تعالى: * (من قبل أن يتماسا) * فالمراد به المماسة التي هي غير الجماع وهي حرام في الظهار، وبعض من قرأ: * (تماسوهن) * قال: إنه بمعنى * (تمسوهن) * لأن فاعل قد يراد به فعل، كقوله: طارقت النعل، وعاقبت اللص، وهو كثير.
المسألة الثانية: لقائل أن يقول: ظاهر الآية مشعر بأن نفي الجناح عن المطلق مشروط بعدم المسيس وليس كذلك فإنه لا جناح عليه أيضا بعد المسيس.
وجوابه من وجوه الأول: أن الآية دالة على إباحة الطلاق قبل المسيس مطلقا، وهذا الإطلاق غير ثابت بعد المسيس، فإنه لا يحل الطلاق بعد المسيس في زمان الحيض، ولا في الطهر الذي جامعها فيه، فلما كان المذكور في الآية حل الطلاق على الإطلاق، وحل الطلاق على الإطلاق لا يثبت إلا بشرط عدم المسيس، صح ظاهر اللفظ.
الوجه الثاني: في الجواب قال بعضهم: إن * (ما) * في قوله: * (ما لم تمسوهن) * بمعنى * (الذي) * والتقدير: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن، إلا أن * (ما) * اسم جامد لا ينصرف، ولا يبين فيه الإعراب ولا العدد، وعلى هذا التقدير لا يكون لفظ * (ما) * شرطا، فزال السؤال.
الوجه الثالث: في الجواب ما يدور حوله القفال رحمه الله، وحاصله يرجع إلى ما أقوله، وهو أن المراد من الجناح في هذه الآية لزوم المهر، فتقدير الآية: لا مهر عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، بمعنى: لا يجب المهر إلا بأحد هذين الأمرين، فإذا فقدا جميعا لم يجب المهر، وهذا كلام ظاهر إلا أنا نحتاج إلى بيان أن قوله: * (لا جناح) * معناه لا مهر، فنقول: إطلاق لفظ الجناح على المهر محتمل، والدليل دل عليه فوجب المصير إليه، وأما بيان الاحتمال فهو أن أصل الجناح في اللغة هو الثقل، يقال: أجنحت السفينة إذا مالت لثقلها والذنب يسمى جناحا لما فيه من الثقل، قال تعالى: * (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) * (العنكبوت: 13) إذا ثبت أن الجناح هو الثقل، ولزوم أداء المال ثقل فكان جناحا، فثبت أن اللفظ محتمل له، وإنما قلنا: إن الدليل دل على أنه هو المراد لوجهين الأول: أنه تعالى قال: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أن تفرضوا لهن فريضة) * نفى الجناح محدودا إلى غاية وهي إما المسيس أو الفرض، والتقدير: فوجب أن يثبت ذلك الجناح عند حصول أحد هذين الأمرين ثم إن الجناح الذي