عباس: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم. ومن أتى أهل مكة من أصحابه، فهو لهم، وكتبوا بذلك الكتاب، وختموه، فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب والنبي بالحديبية، فأقبل زوجها وكان كافرا، فقال: يا محمد أردد علي امرأتي، فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فنزلت هذه الآية. وذكر جماعة من العلماء منهم محمد بن سعد كاتب الواقدي أن هذه الآية نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي أول من هاجر من النساء إلى المدينة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمت المدينة في هدنة الحديبية، فخرج في أثرها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة، فقالا: يا محمد أوف لنا بشروطنا، وقالت أم كلثوم: يا رسول الله، أنا امرأة، وحال النساء إلى الضعف ما قد علمت، فتردني إلى الكفار يفتنوني عن ديني، ولا صبر لي؟!
فنقض الله العهد في النساء، وأنزل فيهن المحنة، وحكم فيهن بحكم رضوه كلهم، ونزل في أم كلثوم (فامتحنوهن) فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتحن النساء بعدها يقول: والله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله، وما خرجتن لزوج ولا مال؟ فإذا قلن ذلك تركن، فلم يرددن إلى أهليهن.
وقد اختلف العلماء في المرأة التي كانت سببا لنزول هذه الآية على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها سبيعة، وقد ذكرناه عن ابن عباس.
والثاني: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وقد ذكرناه عن جماعة من أهل العلم، وهو المشهور.
والثالث: أميمة بنت بشر من بني عمرو بن عوف، ذكره أبو نعيم الأصبهاني، قال الماوردي.