مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين (5) قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (6) ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين (7) قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى علم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون (8) ثم ضرب لليهود الذين تركوا العمل بالتوراة مثلا، فقال [عز وجل]: (مثل الذين حملوا التوراة) أي: كلفوا العمل بما فيها (ثم لم يحملوها) أي: لم يعملوا بموجبها، ولم يؤدوا حقها (كمثل الحمار يحمل أسفارا) وهي جمع سفر. والسفر: الكتاب، فشبههم بالحمار لا يعقل ما يحمل، إذ لم ينتفعوا بما في التوراة، وهي دالة على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا المثل يلحق من لم يعمل بالقرآن ولم يفهم معانيه (بئس مثل القوم) ذم مثلهم، والمراد ذمهم، واليهود كذبوا بالقرآن وبالتوراة حين لم يؤمنوا بمحمد (والله لا يهدي القوم الظالمين) أنفسهم بتكذيب الأنبياء.
قوله [عز وجل]: (إن زعمتم أنكم أولياء لله) وذلك أن اليهود، قالوا: نحن ولد إسرائيل الله، ابن ذبيح الله، ابن خليل الله، ونحن أولى بالله عز وجل من سائر الناس، وإنما تكون النبوة فينا.
فقال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام (قل) لهم إن كنتم (أولياء لله فتمنوا الموت) لأن الآخرة خير لأولياء الله من الدنيا. وقد بينا هذا وما بعده في البقرة إلى قوله [عز وجل]: (قل إن الموت الذي تفرون منه) وذلك أن اليهود علموا أنهم قد أفسدوا على أنفسهم أمور الآخرة بتكذيبهم محمدا، وكانوا يكرهون الموت، فقيل لهم: لا بد من نزوله بكم بقوله [عز وجل]:
(فإنه ملاقيكم) قال الفراء: العرب تدخل الفاء في كل خبر كان اسمه مما يوصل، مثل: " من " و " الذي " فمن أدخل الفاء ها هنا ذهب " بالذي " إلى تأويل الجزاء. وفي قراءة عبد الله " إن الموت الذي تفرون [منه] ملاقيكم " وهذا على القياس، لأنك تقول: إن أخاك قائم، ولا تقول: فقائم ولو