منها الأذل، وكان في القوم زيد بن أرقم، وهو غلام يومئذ لا يؤبه له، فقال لعبد الله: أنت والله الذليل القليل، فقال: إنما كنت ألعب، فأقبل زيد بالخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: دعني أضرب عنقه. فقال: إذن ترعد له آنف كبيرة، قال: فإن كرهت أن يقتله رجل من المهاجرين، فمر سعد بن عبادة، أو محمد بن مسلمة، أو عباد بن بشر فليقتله، فقال: إذن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، فأرسل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى عبد الله بن أبي، فأتاه، فقال: أنت صاحب هذا الكلام؟ فقال: والذي أنزل عليك ما قلت شيئا من هذا، وإن زيدا لكذاب، فقال من حضر: لا يصدق عليه كلام غلام، عسى الله أن يكون قد وهم، فعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفشت الملامة من الأنصار لزيد، وكذبوه، وقال له عمه: ما أردت إلا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، ومقتوك! فاستحيا زيد، وجلس في بيته. فبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه، فأتى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال: بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي، لما بلغك عنه.
فإن كنت فاعلا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فإني أخشى أن يقتله غيري، فلا تدعني نفسي حتى أقتل قاتله، فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل تحسن صحبته ما بقي معنا "، وأنزل الله سورة (المنافقين) في تصديق زيد، وتكذيب عبد الله، فأرسل [رسول] الله صلى الله عليه وسلم إلى زيد فقرأها عليه، وقال: ان الله قد صدقك. ولما أراد عبد الله بن أبي أن يدخل المدينة جاء ابنه، فقال:
[ما] وراءك، قال: مالك [ويلك]؟ قال: لا والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعلم اليوم من الأعز، ومن الأذل، فشكا عبد الله إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ما صنع ابنه، فأرسل إليه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن خل عنه حتى يدخل، فلما نزلت السورة وبان كذبه قيل له: يا أبا حباب: إنه قد نزلت فيك آيات شداد، فاذهب إلى رسول الله ليستغفر لك، فلوى به رأسه، فلذلك قوله [عز وجل]: (لووا رؤوسهم) وقيل: إن الذي قال له هذا عبادة بن الصامت.
بسم الله الرحمن الرحيم إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (1) إتخذوا أيمانهم جنة فصدوا الله إنهم ساء ما عن سبيل كانوا يعملون (2) ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (3)