وقوله: ذاقوا وبال أمرهم يقول: نالهم عقاب الله على كفرهم به. وقوله: ولهم عذاب أليم يقول: ولهم في الآخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذاب أليم، يعني: موجع.
وقوله: كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين يقول تعالى ذكره: مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضيرة النضرة، إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أخرجوا، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد، وإسلامهم إياهم عند شدة حاجتهم إليهم، وإلى نصرتهم إياهم، كمثل الشيطان الذي غر إنسانا، ووعده على اتباعه وكفره بالله، النصرة عند الحاجة إليه، فكفر بالله واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نصرته أسلمه وتبرأ منه، وقال له: إني أخاف الله رب العالمين في نصرتك.
وقد اختلف أهل التأويل في الانسان الذي قال الله جل ثناؤه إذ قال للانسان أكفر هو انسان بعينه، أم أريد به المثل لمن فعل الشيطان ذلك به، فقال بعضهم: عني بذلك انسان بعينه. ذكر من قال ذلك:
26266 - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت عبد الله بن نهيك، قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: إن راهبا تعبد ستين سنة، وإن الشيطان أرداه فأعياه، فعمد إلى امرأة فأجنها، ولها إخوة، فقال لاخوتها: عليكم بهذا القس فيداويها، فجاؤوا بها، قال: فداواها، وكانت عنده، فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته، فأتاها فحملت، فعمد إليها فقتلها، فجاء إخوتها، فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك، إنك أعييتني، أنا صنعت بك هذا فأطعني أنجك مما صنعت بك، اسجد لي سجدة، فسجد له فلما سجد له قال: إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين فذلك قوله: كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين.