الملفت للنظر هنا أن الآية استعملت تعبير (تحرثون) من مادة (حرث) على وزن (درس) وهو يعني الزراعة ونشر الحبوب وتهيئتها للإنبات، وفي الآية الثانية كان التعبير ب (تزرعونه) من مادة " زراعة " بمعنى النمو والنضج.
ومن البديهي أن عمل الإنسان هو الحرث فقط، أما النمو فهو من عمل الله سبحانه فقط، ولذا نقل في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت، فإن الزارع هو الله " (1).
شرح هذا الدليل هو أن عمل الإنسان في الزرع كعمله في الإنجاب حيث ينثر البذرة ويتركها، والله سبحانه هو الذي يخلق في وسط هذه البذرة الحياة، فعندما توضع البذرة في محيط مهيأ من حيث التربة والضوء والماء، فإنها تستفيد ابتداءا من المواد الغذائية المخزونة فيها إلى أن تصبح برعما وتولد جذرا، ثم تنمو بسرعة عجيبة مستفيدة من المواد الغذائية الموجودة في الأرض حيث تعمل أجهزة عظيمة وتحدث تغييرات عميقة في داخل النبات، تتمخض عن أغصان وسيقان وأوراق وثمار.. وأحيانا تنتج البذرة الواحدة عدة آلاف من البذور (2).
يقول العلماء: إن التركيبات الموجودة في بناء نبات واحد أعجب وأعقد بمراتب من التشكيلات الموجودة في مدينة صناعية عظيمة مع معاملها المتعددة.
هل أن القوة التي لها مثل هذه القدرة تعجز عن إحياء الموتى مرة أخرى؟
وفي الآية اللاحقة يؤكد الدور الهامشي للإنسان في نمو ورشد النباتات فيقول: لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون.
نعم، يستطيع البارئ أن يرسل رياحا سامة تقتل البذور قبل الإنبات