يقول سبحانه في البداية: سنفرغ لكم أيه الثقلان (1) (2).
نعم، إن الله العالم القادر سيحاسب في ذلك اليوم الإنس والجن حسابا دقيقا على جميع أعمالهم وأقوالهم ونياتهم، ويعين لكل منهم الجزاء والعقاب.
ومع علمنا بأن الله سبحانه لا يشغله عمل عن عمل، وعلمه محيط بالجميع في آن واحد، ولا يشغله شئ عن شئ (ولا يشغله شأن عن شأن) ولكننا نواجه التعبير في (سنفرغ) والتي تستعمل غالبا بالتوجه الجاد لعمل ما، والانصراف الكلي له، وهذا من شأن المخلوقات بحكم محدوديتها.
إلا أنه استعمل هنا لله سبحانه، تأكيدا على مسألة حساب الله تعالى لعباده بصورة لا يغادر فيها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولا يغفل عن مثقال ذرة من أعمال الإنسان خيرا أو شرا، والأظرف من ذلك أن الله الكبير المتعال هو الذي يحاسب بنفسه عبده الصغير، وعلينا أن نتصور كم هي مرعبة ومخيفة تلك المحاسبة.
(الثقلان) من مادة (ثقل) على وزن (كبر) بمعنى الحمل الثقيل وجاءت بمعنى الوزن أيضا، إلا أن (ثقل) على وزن (خبر) تقال عادة لمتاع وحمل المسافرين، وتطلق على جماعة الإنس والجن وذلك لثقلهم المعنوي، لأن الله تبارك وتعالى قد أعطاهم عقلا وشعورا وعلما ووعيا له وزن وقيمة بالرغم من أن الثقل الجسدي لهم ملحوظ أيضا كما قال تعالى: وأخرجت الأرض أثقالها، (3) حيث ورد أن أحد معانيها هو خروج الناس من القبور في يوم القيامة، إلا أن التعبير في الآية مورد البحث جاء باللحاظ المعنوي، خاصة وأن الجن ليس لهم ثقل مادي.