ويخاطب سبحانه هاتين المجموعتين " الجن والإنس " بقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان.
والتهديد هنا لطف إلهي أيضا، فالبرغم من أنه يحمل تهديدا ظاهريا، إلا أنه عامل للتنبيه والإصلاح والتربية، حيث أن وجود المحاسبة في كل نظام هو نعمة كبيرة.
وما ورد في الآية اللاحقة تأكيد لما تقدم ذكره في الآيات السابقة، والذي يتعلق بعدم قدرة الجن والإنس من الفرار من يد العدالة الإلهية حيث يقول سبحانه: يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.
" شواظ " كما ذكر الراغب في المفردات، وابن منظور في لسان العرب، وكثير من المفسرين أنه بمعنى (الشعلة العديمة الدخان) وفسرها آخرون بأنها (ألسنة النار) التي تقتطع من النار نفسها حسب الظاهر، وتكون خضراء اللون. وعلى كل حال فإن هذا التعبير يشير إلى شدة حرارة النار.
و " نحاس " بمعنى الدخان أو (الشعل ذات اللون الأحمر مصحوبة بالدخان) والتي تكون بلون النحاس، وفسرها البعض بأنها (النحاس المذاب) وهي لا تتناسب في الظاهر مع ما ورد في الآية مورد البحث، لأنها تتحدث عن موجود يحيط بالإنسان في يوم القيامة ويمنعه من الفرار من حكومة العدل الإلهي.
وكم هي عجيبة (محكمة القيامة) حين يحاط الإنسان إحاطة تامة بالملائكة والنار الحارقة والدخان القاتل، ولا مناص إلا التسليم لحكم الواحد الأحد في ذلك اليوم الرهيب.
ثم يضيف سبحانه قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان.
والكلام هنا عن النعم والآلاء من أجل ما ذكرنا من اللطف في الآية السابقة.
* * *