وبتعبير آخر: إن الصوت الممتد والمتساوي الذي يخرج من الحنجرة يقطع إلى أشكال وقياسات مختلفة حيث تتشكل منه الحروف.
ومن جهة أخرى فهناك مسألة اللغات، حيث إن الإنسان يبتدع لغات مختلفة حسب احتياجاته المادية والمعنوية، وذلك إثر تطوره وتقدمه الفكري. والعجيب هنا عدم وجود أي محدودية في وضع اللغات، حيث نلاحظ تعدد الألسن في عالمنا هذا بصورة يصعب إحصاؤها بصورة دقيقة، كما أننا نلحظ أيضا نشوء لغات جديدة وألسن جديدة بصورة تدريجية مع مرور الزمن. ويعتقد البعض أن عدد اللغات الموجودة في عالمنا اليوم يصل إلى ثلاثة آلاف لغة، ويذهب آخرون إلى أكثر من ذلك (1).
والظاهر أن ذلك يتعلق باللغات والألسن الأصلية، أما إذا أخذت اللهجات المحلية بنظر الاعتبار فإنها ستصبح أكثر من ذلك بكثير قطعا، حيث لاحظ المتتبعون لأمور اللهجات أن قريتين متجاورتين تتحدثان بلسانين مختلفين أحيانا.
ومن جهة ثالثة هناك مسألة ترتيب الجمل والاستدلال وبيان العواطف عن طريق العقل والفكر، لأنها تمثل روح البيان والنطق... ولهذا الأمر فإن التكلم أمر خاص بالإنسان فقط.
صحيح أن الكثير من الحيوانات تحدث أصواتا مختلفة كي تعبر عن احتياجاتها، إلا أن عدد هذه الأصوات محدود جدا ومبهم وغير معلوم، في حين أن البيان وضع في اختيار الإنسان بصورة واسعة وغير محدودة، لأن الله تعالى قد أعطاه القدرة الفكرية اللازمة للتكلم.
وإذا تجاوزنا كل ذلك وأخذنا دور البيان في تكامل وتقدم الحياة الإنسانية،