وهنا يطرح التساؤل التالي: من الذي علمه الله سبحانه القرآن الكريم.
ذكر المفسرون في ذلك تفسيرات عديدة، فبعضهم قال: إن الله علم القرآن لجبرئيل والملائكة، وقال آخرون: إن الله سبحانه علمه للرسول، وذكر ثالث: أنه علم للإنس والجن.
ولكون هذه السورة تبين الرحمة الإلهية للإنس والجن ولذا أكد سبحانه إقرارهم بنعمه إحدى وثلاثين مرة، وذلك بقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان لهذا فإن التفسير الأخير هو الأنسب، أي أن الله علم القرآن للإنس والجن بواسطة نبيه الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
وبعد ذكره سبحانه لنعمة القرآن التي لا مثيل لها ينتقل إلى أهم نعمة في الترتيب المذكور ويقول: خلق الإنسان.
من الطبيعي أن المقصود هنا هو نوع الإنسان وليس آدم (عليه السلام) فقط، حيث سيتحدث عنه سبحانه في الآيات اللاحقة بصورة مستقلة، كما أنه ليس المقصود بذلك النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع العلم أن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أفضل وأعلى مصداق للإنسان.
وإطلاق كلمة (البيان) التي تأتي بعد خلق الإنسان دليل آخر على عمومية كلمة الإنسان، وبناء على هذا فإن التفاسير الأخرى التي ذكرت لم تكن صحيحة.
والحقيقة أن خلق الإنسان هذا الكائن الذي تتجمع فيه كل عجائب الوجود، هذا الموجود الذي هو خلاصة الموجودات الأخرى، هذا العالم الصغير الذي اندرج فيه العالم الكبير، لهو نعمة منقطعة النظير حيث إن كل بعد من أبعاد وجوده المختلفة نعمة كبيرة.