وبالرغم من أن بداية الإنسان ليست أكثر من نطفة لا قيمة لها، بل الأصح أن بدايته عبارة عن موجود مجهري يسبح في نطفة لا وزن لها، إلا أنه في ظل الرعاية الإلهية يسير في مراحل التكامل بصورة يرتقي فيها إلى مقام أشرف موجود في عالم الخلق.
أن ذكر اسم " الإنسان " بعد " القرآن " هو الآخر يستوجب التأمل، ذلك لأن القرآن الكريم يمثل مجموعة أسرار الكون بصورة مدونة " الكتاب التدويني "، والإنسان هو خلاصة هذه الأسرار بصورة تكوينية " الكتاب التكويني "، كما أن كل واحدة منها هو صورة من هذا العالم الكبير.
وتشير الآية اللاحقة إلى أهم النعم بعد نعمة خلق الإنسان حيث يقول البارئ عز وجل: علمه البيان.
كلمة (البيان) لها معنى لغوي واسع، حيث تقال لكل شئ يوضح ويبين شيئا معينا، وبناء على هذا فإنها لا تشمل النطق والكلام فحسب، بل تجمع الكتابة والخط وأنواع الاستدلالات العقلية والمنطقية التي تبين المسائل المختلفة والمعقدة أيضا رغم أن معالم هذه المجموعة هي التكلم والنطق.
ونظرا لتعودنا ممارسة الكلام، فقد نتصور أنه أمر بسيط وسهل، والحقيقة أن التكلم من أعقد وأظرف أعمال الإنسان، ويمكننا القول بعدم وجود عمل على شاكلته من ناحية التعقيد والظرافة.
فمن جهة نجد أن الأجهزة المختصة لإصدار الصوت تتساعد وتتعاون مع بعضها لإيجاد الأصوات المختلفة. فالرئة تجمع الهواء لتخرجه من الحنجرة تدريجيا، والأوتار الصوتية تهتز لتولد أصواتا مختلفة تماما، بعضها تعبر عن حالة الرضي، والاخرى عن الغضب، والثالثة تعبر عن النجدة والاستغاثة وطلب العون، والرابعة عن المحبة أو العداوة وهكذا. ثم إن هذه الأصوات - بمساعدة اللسان والشفتين والأسنان والحلق - تصنع الحروف الأبجدية بسرعة وظرافة خاصة،