إن الإنسان إذا كان صادقا في البحث عن الحقيقة فإنه يكفيه أن يرى واحدة منها، وخاصة تلك التي يسبقها إنذار، ثم بلاء، ثم زوال هذا البلاء عند دعاء النبي الإلهي، ولكن العناد والإصرار على الباطل والغرور إذا ركب الإنسان، فحتى لو أصبحت جميع السماء والأرض آيات لله، فلن تكون ذات تأثير على أمثال هؤلاء، والجواب الحاسم المناسب لهم هو العذاب الإلهي الذي يقضي على النزعات الشريرة والنفوس المريضة التي يملؤها الهوى والغرور. كما قال تعالى:
فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر تكملة للآية مورد البحث.
" أخذ " في الأصل بمعنى تناول الشئ وأخذه باليد، ولكون المجرم يؤخذ قبل أن يعاقب، لذا فإنها تستعمل كناية عن المجازاة.
والتعبير الآخر الذي أتى في آخر هذه القصة لا يوجد له شبه في التعابير المماثلة في القصص الأخرى، وذلك لأن الفراعنة كانوا يتباهون بقوتهم وسطوتهم وعزهم أكثر من بقية الأمم، والحديث عن قوة سلطانهم كان في كل مكان. يقول الله تعالى: فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر وذلك كي يكون واضحا للجميع أن القوة الحقيقة هي لله وحده، لأن كل قوة وعزة أخرى غير قوته وما يتصل بذاته وهمية لا تساوي شيئا في قبال عزته وقدرته... والعجيب أن نهر النيل العظيم الذي كان مصدر خير وثروة لهم، هو الذي أمر بالانتقام منهم، والأعجب من ذلك أن أضعف المخلوقات سلطت عليهم كالجراد والضفادع والقمل فجعلتهم في حالة عجز ومسكنة لا يقدرون على دفعها، وهم الذين كانوا من السطوة والقوة موضع حديث أهل زمانهم.
وبعد بيان هذه المشاهد المؤثرة من قصص الأقوام المنصرمة والعذاب الإلهي العظيم الذي حل بهؤلاء الجبابرة المتمردين على الحق، يخاطب الله سبحانه في الآية اللاحقة مشركي مكة بقوله تعالى: أكفاركم خير من أولائكم أم لكم براءة في