عالم جديد عليه ملئ بالأسرار، خاصة أن الإنسان - لحظة الموت - يكون عنده إدراك جديد وبصر حديد - فهو يلاحظ عدم استقرار هذا العالم بعينيه ويرى الحوادث التي بعد الموت، وهنا تتملكه حالة الرعب والاستيحاش من قرنه إلى قدمه فتراه سكرا وليس بسكر (1).
حتى الأنبياء وأولياء الله الذين يواجهون حالة النزع والموت باطمئنان كامل ينالهم من شدائد هذه الحالة نصيب، ويصابون ببعض العقبات في حالة الانتقال، كما قد ورد في حالات انتقال روح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بارئها عند اللحظات الأخيرة من عمره الشريف المبارك أنه كان يدخل يده في إناء فيه ماء ويضعها على وجهه ويقول: لا إله إلا الله ثم يقول: إن للموت سكرات (2).
وللإمام علي كلام بليغ يرسم لحظة الموت وسكراتها بعبارات حية بليغة إذ يقول: " اجتمعت عليهم سكرت الموت وحسرت الفوت ففترت لها أطرافهم وتغيرت لها ألوانهم ثم إزداد الموت فيهم ولوجا فحيل بين أحدهم ومنطقه وانه لبين أهله ينظر ببصره ويسمع باذنه على صحة من عقله وبقاء من لبه يفكر فيم أفنى عمره؟ وفيم أذهب دهره؟ ويتذكر أموالا جمعها أغمض في مطالبها وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها قد لزمته تبعات جمعها وأشرف على فراقها تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ويتمتعون بها " (3).
كما أن هذا المعلم الكبير ينذر في مكان آخر البشرية فيقول: " إنكم لو عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم وسمعتم وأطعتم ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا وقريب ما يطرح الحجاب " (4).