يشغل فكر الإنسان هو النجاة في الآخرة.. وحاكمية الله في الدار الآخرة تتجلى أكثر منها في هذه الدنيا.
وهكذا فإن القرآن يقطع أمل المشركين تماما - بشفاعة الأصنام - ويسد بوجوههم هذه الذريعة بأنها تشفع لهم " ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ".
وهناك احتمال آخر في تفسير الآيتين آنفتي الذكر: وهو أن يتوجه الإنسان نحو الله لعدم بلوغه أمانيه وما يرغب إليه.. لأن الآية الأولى من الآيات محل البحث تقول: أم للإنسان ما تمنى؟ وهذا استفهام إنكاري، وحيث أن جواب هذا الاستفهام أو السؤال بالنفي قطعا، لأن الإنسان لا ينال كثيرا من أمانيه أبدا، وهذا يدل على أن تدبير هذا العالم بيد أخرى تتحكم في هذا العالم، ولذلك فإن الآية الثانية تقول: حيث كان الأمر كذلك فلله الآخرة والأولى!
وهذا المعنى يشبه ما جاء في كلام الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): " عرفت الله بفسخ العزائم وحل العقود ونقض الهمم " (1). ولا يبعد الجمع بين هذا التفسير والتفسير السابق أيضا.
وفي آخر الآيات محل البحث يقول القرآن مضيفا ومؤكدا على هذه المسألة:
وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.
فحيث لا تستطيع الملائكة على عظمتها حتى ولو بشكل جماعي أن تشفع لأحد إلا بإذن الله ورضاه، فما عسى ينتظر من هذه الأصنام التي لا قيمة لها، وهي لا تعي شيئا!؟. وحينما تتساقط النسور المحلقة وتهوي بأجنحتها عاجزة فما تنفع البعوضة الضعيفة؟ أليس من المخجل أن تقولوا إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، أو هؤلاء شفعاؤنا عند الله؟!