الطيور الرمادية أو السوداء، ولذلك كان العرب أحيانا إذا ذكروا الأصنام قالوا بعد ذكرها: تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى.
وقد وردت هنا قصة خرافية نقلتها بعض الكتب، وهي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قرأ الآية: أفرأيتم اللات والعزى أضاف عليها من عنده الجملتين هاتين: تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى.. فكان سببا لارتياح المشركين وعدوه انعطافا من قبل النبي إلى عبادة الأصنام، وحيث أن ختام السورة يدعو الناس للسجود.. فإن المسلمين سجدوا وسجد المشركون أيضا، فكان هذا الخبر مدعاة لإشاعة إسلام المشركين في كل مكان! حتى بلغ ذلك أسماع المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين وسر جماعة منهم إلى درجة أنهم أحسوا بالأمان فعادوا من مهجرهم إلى مكة (1).
ولكن كما فصلنا ذلك في تفسير الآية 52 من سورة الحج فإن هذا الادعاء كذب مفضوح، وتبطله الدلائل والقرائن الكثيرة بجلاء.
فأولئك المفتعلون لهذه الكذبة لم يفكروا أن القرآن في ذيل هذه الآيات محل البحث ينقض عبادة الأصنام بصراحة، ويعدها اتباعا لما تهوى النفس وظنونها، كما أنه في الآيات التي تلي هذه الآيات يعنف عبادة الأصنام بصراحة وبشدة، ويعدها دليلا على عدم الإيمان والمعرفة، ويأمر النبي بصراحة أن يقطع علاقته بهم ويعرض عنهم.
فمع هذه الحال كيف يمكن أن يتلفظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهاتين الجملتين، أو أن يكون المشركون حمقى إلى درجة بحيث يصغون إلى هذه العبارة ولا يلتفتوا إلى الآيات بعدها التي تعنف المشركين على عبادة الأصنام.. ويفرحوا ويسجدوا في آخر ما يتلى من هذه السورة مع الساجدين.