ومما يلفت النظر أن القرآن الكريم لم يحدد الشئ الذي يستوجب غض النظر عنه. (أي أنه حذف متعلق الفعل) ليكون دليلا على عموميته. أي غض النظر عن جميع الأشياء التي حرم الله النظر إليها.
ولكن سياق الكلام في هذه الآيات، وخاصة في الآية التالية التي تتحدث عن قضية الحجاب، يوضح لنا جيدا أنها تقصد النظر إلى النساء غير المحارم، ويؤكد هذا المعنى سبب النزول الذي ذكرناه (1) سابقا.
ويتضح لنا مما سبق أن مفهوم الآية السابقة ليس هو حرمة النظر الحاد إلى النساء غير المحارم، ليتصور البعض أن النظر الطبيعي إلى غير المحارم مسموح به، بل إن نظر الإنسان يمتد إلى حيز واسع ويشمل دائره واسعة، فإذا وجد امرأة من غير المحارم عليه أن يخرجها عن دائرة نظره. وألا ينظر إليها، ويواصل السير بعين مفتوحة، وهذا هو مفهوم غض النظر. (فتأملوا جيدا).
الحكم الثاني في الآية السابقة: هو " حفظ الفروج ". و " الفرج " - كما قلنا سابقا - يعني الفتحة والفاصلة بين شيئين، إلا أنها هنا ورد كناية عن العورة.
والقصد من حفظ الفرج - كما ورد في الأحاديث - هو تغطيته عن الأنظار، وقد جاء في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: " كل آية في القرآن فيها ذكر الفروج فهي من الزنا، إلا هذه الآية فإنها من النظر " (2).
إن الإسلام نهى عن هذا العمل المندفع مع الأهواء النفسية والشهوات، لأن ذلك أزكى لكم كما نصت عليه الآية - موضع البحث - في ختامها.
ثم تحذر الآية أولئك الذين ينظرون بشهوة إلى غير محارمهم، ويبررون عملهم هذا بأنه غير متعمد فتقول: إن الله خبير بما تصنعون.