ويحتمل أن يكون المراد من " الغافلات " أنهن لا يعلمن بما ينسب إليهن من بهتان في الخارج، ولهذا لسن في صدد الدفاع عن أنفسهن، وفي النتيجة فإن الآية تطرح موضوعا جديدا للبحث، لأن الآيات السابقة تحدثت عن مثيري التهم الذين يمكن التعرف عليهم ومعاقبتهم. إلا أن الحديث هنا يدور حول مثيري الشايعات الذين أخفوا أنفسهم عن العقاب والحد الشرعي: فتقول الآية: أن هؤلاء لا يتصوروا أنهم بهذا العمل سيكون بإمكانهم تجنب العقاب الإلهي دائما، لأن الله تعالى سيبعدهم عن رحمته في هذه الدنيا. كما ينتظرهم العذاب العظيم في الآخرة.
إن هذه الآية رغم مجيئها بعد حديث الإفك، وظهورها بمظهر الارتباط بذلك الحادث، فإنها كبقية الآيات التي تنزل لسبب خاص، وهي ذات مفهوم عام، لا تختص بحالة معينة.
والذي يثير الدهشة هو إصرار بعض المفسرين كالفخر الرازي في " التفسير الكبير "، وآخرين، على أن مفهوم هذه الآية خاص باتهام نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويجعلون هذا الذنب بدرجة الكفر، ويستدلون بكلمة " اللعن " التي ذكرتها الآية، في الوقت الذي لا يمكن فيه اعتبار توجيه التهمة - حتى إن كان هذا الذنب عظيما كاتهام نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لوحده سببا للكفر. لهذا لم يعامل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحاب الإفك معاملة المرتدين عن دينهم. بل إن الآيات التالية التي بينا شرحها توصي بعدم تجاوز الحد المقرر لهم وعدم الإفراط في عقابهم، فذنبهم لا يوازي الكفر بالله.
وأما " لعنة الله " فهي تصدق على الكافرين ومرتكبي الكبائر أيضا، وعليه أوردت هذه الآيات المتحدثة عن حد القذف (في الأحكام الخاصة باللعان) مرتين كلمة " لعن " ضد الكذابين المسيئين للناس. كما استعملت الأحاديث الإسلامية كرارا كلمة " اللعن " ضد مرتكبي الذنوب الكبيرة. وحديث " لعن الله في الخمر عشر طوائف... " معروف.