فقال: ما هذه؟ فقالوا له أصحابه: هذا الرجل من الأنصار فمكث حتى إذا جاء صاحبها فسلم في الناس أعرض عنه وصنع ذلك مرارا حتى عرف الرجل الغضب به وبالاعراض عنه، فشكى ذلك إلى أصحابه وقال: والله إلي لأنكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أدرى ما حدث في وما صنعت؟
قالوا: خرج رسول الله فرأى قبتك فقال: لمن هذه؟ فأخبرناه، فرجع إلى قبته فسواها بالأرض، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم فلم ير القبة فقال: ما فعلت القبة التي كانت ها هنا قالوا: شكى إلينا صاحبها انحراصل عنه فأخبرناه فهدمها فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن كل ما يبنى وبال على صاحبه يوم القيامة، إلا ما لابد منه ". (1) ويعرف من هذه الرواية وما شابهها من الروايات نظر الإسلام بجلاء، فكل بناء " طاغوتي " مشيد بالإسراف والبذخ ومستوجب للغفلة... يمقته الإسلام، ويكره للمسلمين أن يبنوا مثل هذه الأبنية التي يبنيها المستكبرون المغرورون الغافلون عن الله، ولا سيما في محيط يسكن فيه المحرومون والمستضعفون...
إلا أن ما ينبغي التنويه به، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستعمل القوة للوصول إلى هذا الهدف الإنساني أبدا، ولم يأمر بتخريب البناء، بل استطاع أن يحقق هدفه برد فعل لطيف كالإعراض وعدم الاهتمام بالبناء مثلا!...
ثم ينتقد النبي " هود " قومه على قسوتهم وبطشهم عند النزاع والجدال فيقول: وإذا بطشتم بطشتم جبارين.
فمن الممكن أن يعمل الإنسان عملا يستوجب العقوبة، إلا أنه لا يصح تجاوز الحد والانحراف عن جادة الحق والعدل عند محاسبته ومعاقبته، وأن يعامل ذو الجرم الصغير معاملة ذي الجرم الكبير... وأن تسفك الدماء عند الغضب ويقع التماصع بالسيف (2)، فذلك ما كان يلجأ إليه الجبابرة والظلمة والطغاة آنئذ...