والآية التالية تسري عن قلب النبي وتثبته فتقول: لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين.
كلمة " باخع " مشتقة من (البخع) (على وزن الدمع)! ومعناه إهلاك النفس من شدة الغم... وهذا التعبير يدل على مدى تحرق قلب النبي وشفقته لأمته، وأداء رسالته، وما كان عليه من إصرار في خطته، وتجلد في مواجهة شدته ومحنته، لأنه يرى القلوب المتعطشة الظامئة في جوار النبع القرآني الزلال، ولكنها لا تزال على ظمئها ولا ترتوي من معينه العذب، فكان يتحرق لذلك!
كان قلقا - وباخعا نفسه - أن يرى الإنسان الذي منحه الله العقل واللب يسير في الطريق المظالم، بالرغم من كل هذا الضياء، ويهوي في الوادي السحيق ليكون من الهالكين!
أجل، كان جميع الأنبياء على هذه الشاكلة من الإشفاق على أممهم ولا سيما الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي ورد في شأنه هذا التعبير القرآني أكثر من مرة...
قال بعض المفسرين: إن سبب نزول الآية الأنفة الذكر هو أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدعو أهل مكة إلى توحيد الله باستمرار، إلا أنهم لم يؤمنوا. فأسف النبي وتأثر تأثرا بالغا حتى بدت أماراته في وجهه، فنزلت الآية آنفة الذكر لتسري عن قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). (1) ولبيان أن الله على كل شئ قدير حتى أنه يستطيع أن يسوقهم إلى الإيمان به سوقا ويضطرهم إلى ذلك، فإن الآية التالية تقول: إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين.
وهي إشارة إلى أن الله قادر على إنزال معجزة مذهلة - من السماء - أو أن يرسل عليهم عذابا شديدا فيذعنوا له، يطأطئوا برؤوسهم خضوعا له، يستسلموا