على أن هذه الانظار مبتنية على أصول موضوعة لا بينة ولا مبينة.
وأما المتصوفة، فإنهم لاشتغالهم بالسير في باطن الخلقة واعتنائهم بشأن الآيات الانفسية دون عالم الظاهر وآياته الآفاقية اقتصروا في بحثهم على التأويل، ورفضوا التنزيل، فاستلزم ذلك اجتراء الناس على التأويل، وتلفيق جمل شعرية والاستدلال من كل شئ على كل شئ، حتى آل الامر إلى تفسير الآيات بحساب الجمل ورد الكلمات إلى الزبر والبينات والحروف النورانية والظلمانية إلى غير ذلك.
ومن الواضح أن القرآن لم ينزل هدى للمتصوفة خاصة، ولا أن المخاطبين به هم أصحاب علم الاعداد والأوفاق والحروف، ولا أن معارفه مبنية على أساس حساب الجمل الذي وضعه أهل التنجيم بعد نقل النجوم من اليونانية وغيرها إلى العربية.
نعم قد وردت روايات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام كقولهم:
ان للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة ابطن أو إلى سبعين بطنا الحديث.
لكنهم (عليهم السلام) إعتبروا الظهر كما اعتبروا البطن، واعتنوا بأمر التنزيل كما اعتنوا بشأن التأويل، وسنبين في أوائل سورة آل عمران إن شاء الله: أن التأويل الذي يراد به المعنى المقصود الذي يخالف ظاهر الكلام من اللغات المستحدثة في لسان المسلمين بعد نزول القرآن وانتشار الاسلام، وان الذي يريده القرآن من لفظ التأويل فيما ورد فيه من الآيات ليس من قبيل المعنى والمفهوم.
وقد نشأ في هذه الاعصار مسلك جديد في التفسير وذلك أن قوما من منتحلي الاسلام في أثر توغلهم في العلوم الطبيعية وما يشابهها المبتنية على الحس والتجربة، والاجتماعية المبتنية على تجربة الاحصاء، مالوا إلى مذهب الحسيين من فلاسفة الأروبة سابقا، أو إلى مذهب أصالة العمل (لا قيمة للادراكات الا ترتب العمل عليها بمقدار يعينه الحاجة الحيوية بحكم الجبر).
فذكروا: ان المعارف الدينية لا يمكن أن تخالف الطريق الذي تصدقه العلوم وهو أن: (لا أصالة في الوجود إلا للمادة وخواصها المحسوسة) فما كان الدين يخبر عن وجوده مما يكذب العلوم ظاهره كالعرش والكرسي واللوح والقلم يجب أن يؤل تأويلا.